للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مِنْ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى يَعْنِي الْقُدْسَ فَإِذَا عِنْدَهُ رَجُلٌ مِنْ خُدَّامِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ فَقَالَ أَنَا أَعْلَمُ تِلْكَ اللَّيْلَةَ فَأَخْبَرَ بَعْضَ وَقَائِعِهِ فِي الْقُدْسِ أَمَرَ هِرَقْلَ بِقِرَاءَةِ الْمَكْتُوبِ فَبَعْدَ الْقِرَاءَةِ أَظْهَرَ مَا فِي ضَمِيرِهِ مِنْ الْإِيمَانِ لِدِحْيَةَ فَقَالَ أَخَافُ عَلَى نَفْسِي إنْ أَظْهَرْت إيمَانِي لَكِنْ اذْهَبْ بِكِتَابِي إلَى رَاهِبٍ مُعْتَمَدٍ لِلْكُلِّ يُقَالُ لَهُ ضغاطر عَرِيفٌ بِالْعِلْمِ وَالنُّجُومِ عَسَى أَنْ يُؤْمِنَ فَيَقْتَدُوا بِهِ فَذَهَبَ فَلَمَّا رَأَى مَكْتُوبَهُ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَرَفَ صِدْقَهُ فَآمَنَ وَدَعَا قَوْمَهُ إلَى دِينِهِ فَقَتَلُوهُ فَعَادَ دِحْيَةُ إلَى هِرَقْلَ فَأَخْبَرَ فَقَالَ لَوْلَا خَوْفُ هَذِهِ الْمَعْنَى لَأَظْهَرْت ثُمَّ لَمَّا رَجَعَ إلَى دَارِ سَلْطَنَتِهِ بَلْدَةِ حِمْصَ أَتَاهُ مَكْتُوبٌ مِنْ صَاحِبٍ لَهُ يُمَاثِلُهُ فِي الْعِلْمِ يُخْبِرُ فِيهِ شَأْنَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ نُبُوَّةٍ فَجَمَعَ عُظَمَاءَ الرُّومِ وَعَرَضَ مُتَابَعَتَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فَأَعْرَضُوا وَنَفَرُوا عَنْهُ فَلِمَا أَيِسَ مِنْ إيمَانِهِمْ رَدَّهُمْ إلَيْهِ وَاعْتَذَرَ إلَيْهِمْ بِأَنَّ مُرَادِي اخْتِبَارُ شِدَّةِ ثَبَاتِكُمْ فِي دِينِكُمْ فَسَجَدُوا لَهُ وَرَضُوا عَنْهُ فَآثَرَ الْكُفْرَ عَلَى الْإِيمَانِ خَوْفَ زَوَالِ رِيَاسَتِهِ

وَيُؤَيِّدُهُ إرْسَالُ غَوْثٍ فِي غَزْوَةِ مُؤْتَةَ فَقَتَلَ كَثِيرًا مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَأَرْسَلَ كِتَابَ إيمَانِهِ غَزْوَةً فَكَذَّبَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - إيمَانَهُ فَقَالَ هُوَ عَلَى نَصْرَانِيَّتِهِ وَقِيلَ إنَّهُ تَشَرَّفَ بِالْإِسْلَامِ وَالْأَصَحُّ عَدَمُهُ، وَأَمَّا مَكْتُوبُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عَلَى مَا نُقِلَ عَنْ الْبُخَارِيِّ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ مِنْ مُحَمَّدٍ عَبْدِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إلَى هِرَقْلَ عَظِيمِ الرُّومِ سَلَامٌ عَلَى مَنْ اتَّبَعَ الْهُدَى أَمَّا بَعْدُ فَإِنِّي أَدْعُوك بِدِعَايَةِ الْإِسْلَامِ أَسْلِمْ تَسْلَمْ يُؤْتَك اللَّهُ أَجْرَك مَرَّتَيْنِ فَإِنْ تَوَلَّيْت فَإِنَّ عَلَيْك إثْمَ الْأَرِيسِيِّنَ وَ {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلا نَعْبُدَ إِلا اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ} [آل عمران: ٦٤] وَعَنْ شَرْحِ الْكَرْمَانِيِّ عَنْ النَّوَوِيِّ أَنَّ هَذِهِ الْقِطْعَةَ مُشْتَمِلَةٌ عَلَى جُمَلٍ مِنْ الْقَوَاعِدِ مِنْهَا اسْتِحْبَابُ تَصْدِيرِ الْكُتُبِ بِالْبَسْمَلَةِ، وَإِنْ كَانَ الْمَبْعُوثُ إلَيْهِ كَافِرًا وَمِنْهَا سُنِّيَّةُ الِابْتِدَاءِ فِي الْمَكْتُوبِ بِاسْمِ الْكَاتِبِ أَوَّلًا وَلِذَا كَانَ عَادَةُ الْأَصْحَابِ أَنْ يَبْدَءُوا بِأَسْمَائِهِمْ وَرَخَّصَ جَمَاعَةٌ الِابْتِدَاءَ بِالْمَكْتُوبِ إلَيْهِ كَمَا كَتَبَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ إلَى مُعَاوِيَةَ مُبْتَدِئًا بِاسْمِ مُعَاوِيَةَ

وَأَنَا أَقُولُ فِيهِ أَيْضًا اسْتِحْبَابُ تَعْظِيمِ الْمُعَظَّمِ عِنْدَ النَّاسِ وَلَوْ كَافِرًا إنْ تَضَمَّنَ مَصْلَحَةً وَفِيهِ أَيْضًا إيمَاءٌ إلَى طَرِيقِ الرِّفْقِ وَالْمُدَارَاةِ لِأَجْلِ الْمَصْلَحَةِ وَفِيهِ أَيْضًا جَوَازُ السَّلَامِ عَلَى الْكَافِرِ عِنْدَ الِاحْتِيَاجِ كَمَا نُقِلَ عَنْ التَّجْنِيسِ مِنْ جَوَازِهِ حِينَئِذٍ؛ لِأَنَّهُ إذًا لَيْسَ لِلتَّوْقِيرِ بَلْ لِلْمَصْلَحَةِ وَلِإِشْعَارِ مَحَاسِنِ الْإِسْلَامِ مِنْ التَّوَدُّدِ وَالِائْتِلَافِ وَفِيهِ أَيْضًا أَنَّهُ لَا يَخُصُّ بِالْخِطَابِ فِي السَّلَامِ عَلَى الْكَافِرِ وَلَوْ لِمَصْلَحَةٍ بَلْ يَذْكُرُ عَلَى وَجْهِ الْعُمُومِ وَفِيهِ أَيْضًا أَنَّهُ، وَإِنْ رَأَى السَّلَامَ عَلَى الْكَافِرِ، وَلَكِنْ لَمْ يَرِدْ؛ لِأَنَّهُ فِي الْبَاطِنِ وَالْحَقِيقَةِ لَيْسَ لَهُ بَلْ لِمَنْ اتَّبَعَ الْهُدَى وَظَاهِرٌ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ تَبَعِيَّةُ هُدًى بَلْ فِيهِ إغْرَاءٌ عَلَى دَلِيلِ اسْتِحْقَاقِ الدُّعَاءِ بِالسَّلَامِ مِنْ تَبِيعَةِ الْهُدَى.

(وَحُبُّ الرِّيَاسَةِ الدُّنْيَوِيَّةِ هُوَ الثَّالِثُ مِنْ أَمْرَاضِ الْقَلْبِ) مِنْ السِّتِّينَ الْمَذْمُومَةِ (وَهِيَ) الرِّيَاسَةُ (مَلِكُ) بِكَسْرِ اللَّامِ (الْقُلُوبِ وَيُسَمَّى) أَيْ حُبُّ الرِّيَاسَةِ (جَاهًا) مِنْ الْوَجَاهَةِ، وَهِيَ الصَّدَارَةُ وَالتَّقَدُّمُ عَلَى الْغَيْرِ (وَشَرَفًا وَصِيتًا) أَيْ الذِّكْرَ الْجَمِيلَ الَّذِي يَنْتَشِرُ فِي النَّاسِ (ت س) التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ (عَنْ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ) - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - (عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَنَّهُ قَالَ مَا ذِئْبَانِ جَائِعَانِ أُرْسِلَا» عَلَى صِيغَةِ الْمَفْعُولِ «فِي غَنَمٍ» جِنْسٌ لِهَذَا النَّوْعِ مِنْ الْحَيَوَانِ «بِأَفْسَدَ» أَكْثَرَ فَسَادًا «لَهَا مِنْ حِرْصِ الْمَرْءِ» أَيْ شِدَّةِ مُحَافَظَتِهِ فِي الْمَذْمُومِ «عَلَى الْمَالِ وَالشَّرَفِ لِدِينِهِ» مُتَعَلِّقٌ بِأَفْسَدَ أَيْ أَنَّ كُلًّا مِنْ الْمَالِ وَالشَّرَفِ يَفْعَلُ فِي دِينِ صَاحِبِهِ مِنْ الْفَسَادِ وَالْهَلَاكِ أَشَدَّ مَا يَفْعَلُهُ الذِّئْبُ فِي غَنَمٍ أُرْسِلَ فِيهَا قَالَ الْمُنَاوِيُّ مَقْصُودُ الْحَدِيثِ الْحِرْصُ عَلَى الْمَالِ وَالشَّرَفِ أَكْثَرُ فَسَادًا لِلدِّينِ مِنْ إفْسَادِ الذِّئْبَيْنِ لِلْغَنَمِ لِاسْتِدْعَاءِ ذَلِكَ الْعُلُوَّ وَالْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ وَذِكْرُ الذِّئْبَيْنِ لِمُنَاسِبَةِ حِرْصِ الْمَالِ وَحِرْصِ الشَّرَفِ

<<  <  ج: ص:  >  >>