للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كَفَرَ قِيلَ عَنْ الشَّارِحِ الْكُرْدِيِّ وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ الْإِكْفَارَ إنَّمَا هُوَ بِالنَّظَرِ إلَى الظَّاهِرِ وَاَللَّهُ يَتَوَلَّى السَّرَائِرَ فَالْحُكْمُ بِالْكُفْرِ عِنْدَ اللَّهِ حُكْمٌ بِالْمَجْهُولِ، وَهُوَ بَاطِلٌ ثُمَّ قَالَ فَاحْفَظْ وَلَا تَغْتَرَّ بِمَا فِي الْفَتَاوَى مِنْ أَلْفَاظِ الْكُفْرِ فَإِنَّ أَكْثَرَهَا مَحْمُولٌ عَلَى التَّهْدِيدِ وَالتَّهْوِيلِ وَكُفْرَانِ النِّعْمَةِ فَإِنَّ الْمُؤْمِنَ لَا يَخْرُجُ مِنْ الْإِيمَانِ إلَّا بِجُحُودِ مَا دَخَلَ فِيهِ أَوْ بِمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ عَلَى مَا رَوَاهُ الطَّحَاوِيُّ انْتَهَى.

وَأُجِيبَ بِمَا حَاصِلُهُ أَنَّ الْكُفْرَ قَدْ يَكُونُ بِمَا جُعِلَ أَمَارَةً لِلتَّكْذِيبِ وَدَلِيلًا كَإِلْقَاءِ الْمُصْحَفِ بِالْقَاذُورَاتِ وَأَيَّدَ بِمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ مِنْ أَنَّ الِاسْتِدْلَالَ بِالْعَلَامَةِ مُقَرَّرٌ فِي الْعَقْلِ وَالشَّرْعِ كَإِثْبَاتِ الصَّانِعِ بِحُدُوثِ الْعَالَمِ أَقُولُ الْكُلُّ مَنْظُورٌ فِيهِ إذْ الْحَقُّ وَاحِدٌ فِي الِاعْتِقَادِيَّاتِ فَيَلْزَمُ عَلَى الْإِصَابَةِ بِلَا احْتِمَالِ خَطَأٍ وَأَنَّ الْحُكْمَ بِجَهَالَةِ مَا عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى جَارٍ فِي جَمِيعِ الِاعْتِقَادِيَّاتِ، وَلَوْ أُرِيدَ أَنَّ سَائِرَ الِاعْتِقَادِيَّاتِ لَهَا أَدِلَّةٌ، وَلَيْسَ لِهَذِهِ بِخُصُوصِهَا دَلِيلٌ فَتَحَكُّمٌ وَأَنَّ نِسْبَةَ نَحْوِ التَّهْدِيدِ إلَى الْفَتَاوَى كَالْمَقَامِ الْخَطَّابِيِّ فِرْيَةٌ بِلَا مِرْيَةٍ مَعَ بَسْطِهِمْ الْأَدِلَّةِ وَتَقْرِيرِهِمْ الْوُجُوهَ الْمُعَيَّنَةَ لِعَيْنِ مُدَّعِي هَذَا الْبَابِ، وَأَنَّ فِيمَا ذَكَرَهُ ذُهُولًا عَمَّا قَرَّرَهُ فِي آخَرِ كَلَامِهِ مِنْ الطَّحَاوِيِّ أَوْ بِمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ فَإِنَّ حَاكِمَ الْكُفْرِ إنَّمَا يَحْكُمُ بِنَحْوِ تِلْكَ الْأَدِلَّةِ، وَأَمَّا الثَّانِي فَإِنَّ مَا ذَكَرَهُ إنَّمَا يَدُلُّ عَلَى الْمُطْلَقِ وَلَيْسَ بِمَطْلُوبٍ وَالْمَطْلُوبُ بِمَا عِنْدَ اللَّهِ وَلَيْسَ بِدَالٍّ وَلَوْ أَشْكَلَ بِأَنَّ التَّصْدِيقَ الْيَقِينِيَّ الْقَلْبِيَّ مَا دَامَ ثَابِتًا فِي الْقَلْبِ كَيْفَ يَزُولُ بِالْعَوَارِضِ الْخَارِجِيَّةِ فَإِنَّ فِيهِ زَوَالَ الْأَصْلِ الذَّاتِيِّ بِالْعَوَارِضِ الْجُزْئِيَّةِ، وَهُوَ لَيْسَ بِجَائِزٍ وَإِذَا تَعَارَضَ الْوَجْهُ الذَّاتِيُّ مَعَ الْوَجْهِ الْعَرْضِيِّ يُقَدَّمُ الذَّاتِيُّ وَأَنَّ صَرِيحَ كَلَامِ الْفُقَهَاءِ عَلَى كَوْنِهِ كَافِرًا عِنْدَ اللَّهِ مَعَ ثُبُوتِ التَّصْدِيقِ الْإِيمَانِيِّ فِي الْقَلْبِ لَيْسَ بِثَابِتٍ لِصُعُوبَةِ دَفْعِهِ كَمَا لَا يَخْفَى فَافْهَمْ

(وَسَبَبُهُ) أَيْ سَبَبُ الْكُفْرِ الْحُكْمِيِّ (قَصْدُ إظْهَارِ الظَّرَافَةِ) أَيْ الْكَيَاسَةِ وَالْبَرَاعَةِ فِي الْكَلَامِ (وَالْبَلَاغَةِ) الْفَصَاحَةِ كَقَوْلِهِ عِنْدَ رُؤْيَةِ مَحْبُوبِهِ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَقَوْلُهُ لِمَنْ اسْمُهُ يَحْيَى يَا يَحْيَى خُذْ الْكِتَابَ (وَإِتْيَانُ الْأَمْرِ الْغَرِيبِ) لِيَتَعَجَّبَ مِنْهُ النَّاسُ (وَتَطْيِيبُ الْمَجْلِسِ) أَيْ عَلَى اعْتِقَادِهِ لِانْشِرَاحِ الصُّدُورِ وَالِامْتِلَاءِ بِالسُّرُورِ لِلسُّفَهَاءِ مِنْ بَأْسِ الْغُرُورِ (وَإِضْحَاكُ الْحَاضِرِينَ بِالْهَزْلِ) الْمُزَاحِ (وَالْهَزْءُ) السُّخْرِيَةِ (وَالْمُزَاحِ) لِيَتَقَرَّبَ بِذَلِكَ إلَى مَحَبَّةِ الْمَغْرُورِينَ مِنْ عَبَدَةِ الدُّنْيَا وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ} [التوبة: ٦٥]

كَمَا حُكِيَ أَنَّ تَيْمُورَ بْنَ نَجْمِ الدِّينِ انْقَبَضَ ذَاتَ يَوْمٍ فَقَالَ رَجُلٌ لِإِضْحَاكِ الْأَمِيرِ إنَّهُ دَخَلَ عَلَى فُلَانِ الْقَاضِي وَاحِدٌ فَقَالَ فُلَانٌ أَكَلَ صَوْمَ رَمَضَانَ فَقَالَ الْقَاضِي لَيْتَ آخَرَ يَأْكُلُ الصَّلَاةَ لِيُتَخَلَّصَ مِنْهُمَا فَقَالَ الْأَمِيرُ أَمَّا وَجَدْت مُضْحِكًا آخَرَ سِوَى الدِّينِ فَأَمَرَ بِضَرْبِ عُنُقِهِ (أَوْ) سَبَبُهُ (شِدَّةُ الْغَضَبِ وَالضَّجَرِ) أَيْ الْقَلَقِ وَالْجَزَعِ عَلَى فَوَاتِ حَظِّهِ بِالْحِقْدِ عَلَى الْغَيْرِ الْمَحْظُوظِ فَيُحَاكِيهِ وَيَسْخَرُ مِنْهُ وَيُضْحِكُ عَلَيْهِ عَدُوَّهُ وَغَيْرَ عَدُوِّهِ (وَبِالْجُمْلَةِ) وَالْحَاصِلُ أَنَّ سَبَبَ الْكُفْرِ الْحُكْمِيِّ (الْخِفَّةُ) فِي الْعَقْلِ (وَالشَّرَهُ) أَيْ الْحِرْصُ (عَلَى الْكَلَامِ) فَيَتَكَلَّمُ بِتِلْكَ الْفَضَائِحِ وَالْقَبَائِحِ فَيَحْرِقُ نَفْسَهُ لِرِضَا الْغَيْرِ (وَالْمُحَاكَاةُ) مِنْ حِكَايَةِ كُفْرِيَّاتِ الْغَيْرِ عَلَى وَجْهِ الْقَبُولِ وَالرِّضَا وَالِاسْتِحْسَانِ (وَعَدَمُ حِفْظِ اللِّسَانِ) عَنْ كُلِّ مَا يَخْطُرُ بِبَالِهِ (وَ) عَدَمُ حِفْظِ سَائِرِ (الْأَعْضَاءِ) مِنْ الْأَفْعَالِ الَّتِي تُوجِبُ الْكُفْرَ

<<  <  ج: ص:  >  >>