{فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ} [الزمر: ٢٣] يُخْرِجُهُ مِنْ الضَّلَالَةِ فَإِنْ قِيلَ فَيَلْزَمُ كَوْنُهُ مَجْبُورًا فِي الضَّلَالَةِ قُلْت قَدْ عَرَفْت أَنَّ عَادَتَهُ تَعَالَى فِي أَفْعَالِ الْعِبَادِ مَشْرُوطَةٌ بِصَرْفِ الْعَبْدِ قُدْرَتَهُ الَّتِي يَسْتَوِي تَعَلُّقُهَا بِالْجَانِبَيْنِ فَإِنْ قِيلَ فَحِينَئِذٍ لَا يَحْسُنُ قَوْله تَعَالَى فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يَهْدِيَ الشَّخْصُ نَفْسَهُ بَعْدَ الضَّلَالَةِ بِأَنْ يَصْرِفَ قُدْرَتَهُ إلَى جَانِبِ الْهِدَايَةِ قُلْنَا إنَّ خَالِقَ الْهِدَايَةِ بَعْدَ هَذَا الصَّرْفِ لَيْسَ غَيْرَهُ تَعَالَى لَا يُقَالُ إنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَيْضًا دَاخِلٌ فِي عُمُومِ النَّفْيِ لِأَنَّ الْمُرَادَ غَيْرُهُ تَعَالَى كَمَا فِي نَحْوِ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَتَأَمَّلْ.
وَمِنْهَا فِي فُصِّلَتْ {وَإِنَّهُ} [فصلت: ٤١] أَيْ الذِّكْرَ الْمُرَادَ مِنْهُ الْقُرْآنُ {لَكِتَابٌ عَزِيزٌ} [فصلت: ٤١] قَوِيٌّ {لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ} [فصلت: ٤٢] هَذَا كَالتَّفْسِيرِ لِمَا قَبْلَهُ قِيلَ الْمُرَادُ مِنْ الْبَاطِلِ الشَّيْطَانُ وَقِيلَ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ بِالنِّسْبَةِ إلَى النُّقْصَانِ وَمِنْ خَلْفِهِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الزِّيَادَةِ وَقِيلَ لَا يَأْتِيهِ تَكْذِيبُ مَا قَبْلَهُ مِنْ الْكُتُبِ السَّابِقَةِ وَلَا يَجِيءُ بَعْدَهُ نَاسِخٌ وَقِيلَ لَا يَبْطُلُ فِي أَوَّلِ الزَّمَانِ وَآخِرِهِ {تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ} [فصلت: ٤٢] أَيْ مَانِعٌ مُعَانِدِيهِ أَنْ يُبَدِّلُوهُ بِأَحْكَامِ مَبَانِيهِ {حَمِيدٍ} [فصلت: ٤٢] مُسْتَحِقٌّ لِلْحَمْدِ بِإِلْهَامِ مَعَانِيهِ أَوْ بِسَبَبِ نِعَمِهِ عَلَيْهِمْ أَوْ يَحْمَدُهُ كُلُّ خَلْقٍ بِمَا ظَهَرَ عَلَيْهِ مِنْ نِعَمِهِ ثُمَّ هَذِهِ اثْنَتَا عَشْرَةَ آيَةً تَدُلُّ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهَا عَلَى وُجُوبِ الِاعْتِصَامِ بِكِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى فَإِنْ قِيلَ مَا الْفَائِدَةُ فِي تَكْثِيرِ الْآيَاتِ وَقَدْ كَفَى وَاحِدَةٌ مِنْهَا فِي الدَّلَالَةِ عَلَى الْمَطْلُوبِ وَإِنْ أُرِيدَ دَلَالَةُ الْمَجْمُوعِ عَلَى أَنْ يَكُونَ الْمَجْمُوعُ دَلِيلًا وَاحِدًا لَزِمَ عَدَمُ دَلَالَةِ آيَةٍ وَاحِدَةٍ مِنْ الْقُرْآنِ عَلَى الْمَطْلُوبِ قَطْعًا وَأَنَّهُ يَلْزَمُ الْقَطْعُ مِنْ اجْتِمَاعِ الظُّنُونِ وَلَيْسَ بِمَذْهَبٍ عِنْدَنَا قُلْنَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مِنْ قَبِيلِ تَحْصِيلِ الْعِلْمِ مِنْ وُجُوهٍ مُتَعَدِّدَةٍ إذْ لَا يَكُونُ مَعْرِفَةُ الشَّيْءِ بِوُجُوهٍ مُتَعَدِّدَةٍ كَمَعْرِفَتِهِ بِوَجْهٍ وَاحِدٍ وَإِنَّ الْمَذْهَبَ تَفَاوُتُ الْمَرَاتِبِ فِي الْيَقِينِيَّاتِ كَمَا فِي الظَّنِّيَّاتِ خِلَافًا لِبَعْضٍ وَقَدْ ذَهَبَ بَعْضٌ مِنَّا عَلَى حُصُولِ الْقَطْعِ عِنْدَ اجْتِمَاعِ الظُّنُونِ وَيَجُوزُ كَوْنُ دَلَالَةِ بَعْضِ آيَاتٍ ظَنِّيَّةٍ لِخَفَاءٍ فِي نَفْسِهَا وَإِنْ قَطْعِيَّةً فِي ثُبُوتِهَا وَإِلَّا فَيَلْزَمُ وُرُودُ الْإِشْكَالِ عَلَى الْقُرْآنِ ابْتِدَاءً لِأَنَّهُ إذَا كَانَ الْمَقْصُودُ مِنْ الْكُلِّ الْمَعْنَى الْوَاحِدَ وَهُوَ الِاعْتِصَامُ فَمَا فَائِدَةُ هَذِهِ التَّكْرَارَاتِ وَإِنْ كَانَتْ الْمَوَاضِعُ مُخْتَلِفَةً وَقَدْ عُدَّ تِلْكَ التَّكْرَارَاتُ مِنْ التَّكْرِيرِ الَّذِي هُوَ نَوْعٌ مِنْ الْإِطْنَابِ لِفَوَائِد كَالتَّقْرِيرِ وَمِنْهُ قِيلَ الْكَلَامُ إذَا تَكَرَّرَ تَقَرَّرَ كَالتَّأْكِيدِ وَكَزِيَادَةِ التَّنْبِيهِ عَلَى نَفْيِ التُّهْمَةِ لِتَكْمِيلِ قَبُولِ الْكَلَامِ وَكَالتَّعْظِيمِ عَلَى الْمَطْلُوبِ وَكَتَعَدُّدِ الْمُتَعَلِّقِ بِأَنْ يَكُونَ مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ الْبَعْضُ غَيْرَ مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ الْآخَرُ وَهَذَا الَّذِي سَمَّوْهُ بِالتَّرْدِيدِ كَمُكَرَّرَاتِ سُورَةِ الرَّحْمَنِ وَالْمُرْسَلَاتِ وَالتَّفْصِيلِ فِي الْإِتْقَانِ فَافْهَمْ بَقِيَ أَنَّ فِي الِاسْتِدْلَالِ بِالْكِتَابِ عَلَى اعْتِصَامِ الْكِتَابِ شَائِبَةَ دَوْرٍ فَعَلَيْك دَفْعُهُ
ثُمَّ لَمَّا كَانَ أَدِلَّةُ اعْتِصَامِ الْكِتَابِ نَوْعَيْنِ كِتَابًا وَسُنَّةً وَقَدَّمَ الْكِتَابَ لِأَصَالَتِهِ وَقَطْعِيَّتِهِ ثُبُوتًا وَفَرَغَ مِنْهُ أَرَادَ الشُّرُوعَ فِي الثَّانِي فَقَالَ (الْأَخْبَارُ) أَيْ النَّبَوِيَّةُ الْخَبَرُ مُرَادِفٌ لِلْحَدِيثِ عِنْدَ الْمُحَدِّثِينَ وَقِيلَ الْحَدِيثُ مَا جَاءَ مِنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْخَبَرُ مَا جَاءَ عَنْ غَيْرِهِ وَقِيلَ كُلُّ حَدِيثٍ خَبَرٌ مِنْ غَيْرِ عَكْسٍ كَمَا فِي النُّخْبَةِ وَمَا فِي الْأَلْفِيَّةِ الْخَبَرُ هُوَ الْأَثَرُ مُطْلَقًا مَرْفُوعًا أَوْ مَوْقُوفًا أَوْ مَقْطُوعًا فَيُنَاسِبُ الْأَوَّلَ وَالْمُصَنِّفُ ذَكَرَ فِي هَذَا الْمَطْلَبِ سَبْعَةَ أَحَادِيثَ الْأَوَّلُ (طك) يَعْنِي أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ الْكَبِيرِ بِإِسْنَادِهِ (عَنْ أَبِي شُرَيْحٍ) - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - الْخُزَاعِيِّ اسْمُهُ خُوَيْلِدُ بْنُ عُمَرَ وَعَلَى مَا نُقِلَ عَنْ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ وَقِيلَ اسْمُهُ كَعْبٌ (أَنَّهُ قَالَ «خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» عَنْ الْمَشَارِقِ هَذِهِ الْحِكَايَةُ حَالُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ حِينَ صُدُورِ الْحَدِيثِ عَنْهُ يُفِيدُ مَعْنَى الْحُدُوثِ لِكَوْنِهِ كَالتَّرْجَمَةِ لَهُ أَقُولُ لَا يَخْفَى عَدَمُ مَدْخَلِيَّتِهِ فِي إفَادَةِ الْمَعْنَى بَلْ الظَّاهِرُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute