الْقَوْلِ قِيلَ كَرَدِّ غَيْبَةِ أَحَدٍ بِقَصْدِ التَّقَرُّبِ إلَى مَحَبَّتِهِ وَنَيْلِ غَرَضِهِ مِنْهُ بِذَلِكَ وَالْخَطَابَةِ فِي الْجُمَعِ وَالْأَعْيَادِ لِإِظْهَارِ الْفَضِيلَةِ لَعَلَّ مِنْهُ الْخَتْمُ لِرُوحِ الْمَيِّتِ بِالْأُجْرَةِ وَالتَّهْلِيلُ وَالتَّسْبِيحُ.
وَفِي حَدِيثِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ «مَنْ طَلَبَ الْعِلْمَ لِيُجَارِيَ بِهِ الْعُلَمَاءَ» أَيْ يَجْرِي مَعَهُمْ فِي الْمُنَاظَرَةِ رِيَاءً وَسُمْعَةً «أَوْ لِيُمَارِيَ بِهِ السُّفَهَاءَ» يُجَادِلُهُمْ مُبَاهَاةً وَفَخْرًا «أَوْ يَصْرِفَ بِهِ وُجُوهَ النَّاسِ إلَيْهِ» أَيْ يَطْلُبُ الْعِلْمَ بِنِيَّةِ تَحْصِيلِ الْمَالِ وَالْجَاهِ وَصَرْفِ وُجُوهِ الْعَامَّةِ «أَدْخَلَهُ اللَّهُ النَّارَ» وَفِيهِ أَيْضًا «مَنْ أَكَلَ بِالْعِلْمِ» أَيْ اتَّخَذَ عِلْمَهُ ذَرِيعَةً إلَى جَلْبِ الْمَالِ وَوُصُولِ الدُّنْيَا «طَمَسَ اللَّهُ عَلَى وَجْهِهِ» وَفِي رِوَايَةِ الدَّيْلَمِيِّ «طَمَسَ عَزَّ وَجَلَّ عَيْنَهُ وَرَدَّهُ عَلَى عَقِبَيْهِ، وَكَانَتْ النَّارُ أَوْلَى بِهِ، وَإِنْ انْتَفَعَ النَّاسُ بِعِلْمِهِ» ؛ لِأَنَّ مَا أَفْسَدَهُ بِعِلْمِهِ أَكْثَرَ مِمَّا أَصْلَحَهُ بِقَوْلِهِ؛ لِأَنَّ انْزِجَارَ الْجَاهِلِ عَنْ الدُّنْيَا بِانْزِجَارِ الْعَالِمِ فَإِذَا جَعَلَ عِلْمَهُ ذَرِيعَةً إلَى الدُّنْيَا فَيَكُونُ سَبَبًا لِجَرَاءَةِ عِبَادِ اللَّهِ عَلَى مَعَاصِيهِ وَمَعَ ذَلِكَ يُعِدُّ نَفْسَهُ أَنَّهُ خَيْرُ كَثِيرٍ مِنْ النَّاسِ فَيَخَافُ مِنْهُ سُوءَ الْخَاتِمَةِ قَالَ حُجَّةُ الْإِسْلَامِ: وَالْعِلْمُ النَّافِعُ مِمَّا يَزِيدُ الْخَوْفَ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى وَالْبَصِيرَةَ بِعُيُوبِ النَّفْسِ وَيَطَّلِعُ عَلَى مَكَايِدِ الشَّيْطَانِ وَغُرُورِهِ وَكَيْفِيَّةِ تَلْبِيسِهِ عَلَى الْعُلَمَاءِ السُّوءِ حَتَّى عَرَّضَهُمْ لِمَقْتِ اللَّهِ حَيْثُ أَكَلُوا الدُّنْيَا بِالدِّينِ وَاتَّخَذُوا الْعِلْمَ ذَرِيعَةً إلَى أَخْذِ الْأَمْوَالِ مِنْ السَّلَاطِينِ وَأَكْلِ أَمْوَالِ الْأَوْقَافِ وَالْيَتَامَى وَصَرْفِ هِمَمِهِمْ طُولَ النَّهَارِ إلَى طَلَبِ الْجَاهِ وَالْمَنْزِلَةِ فِي قُلُوبِ الْخَلْقِ وَاضْطَرَّهُمْ ذَلِكَ إلَى الْمُمَارَاةِ وَالْمُنَافَسَةِ وَالْمُبَاهَاةِ كَذَا فِي الْمُنَاوِيِّ وَقِرَاءَةُ شَيْءٍ مِنْ الْقُرْآنِ أَوْ الْأَسْمَاءِ لِقَهْرِ مَنْ يَسْتَحِقُّ لِقُوَّةِ ظُلْمِهِ لَيْسَ بِرِيَاءٍ عَلَى مَا بَسَطَ الْمُصَنِّفُ فِي بَعْضِ رَسَائِلِهِ هَذَا رِيَاءُ أَهْلِ الدِّينِ.
(وَ) أَمَّا (رِيَاءُ أَهْلِ الدُّنْيَا) فَيَكُونُ (بِالْأَشْعَارِ) الَّتِي لَا تَعَلُّقَ لَهَا بِالْأَحْكَامِ (وَالْأَمْثَالِ) الْأَدَبِيَّةِ كَضُرُوبِ الْأَمْثَالِ فِي الْمُكَالَمَةِ (وَإِظْهَارِ الْفَصَاحَةِ وَالْبَلَاغَةِ) فِي الْمُخَاطَبَاتِ وَالْمَكْتُوبَاتِ قِيلَ كَإِظْهَارِ التَّوَدُّدِ إلَى النَّاسِ لِاسْتِمَالَةِ الْقُلُوبِ، وَقِيلَ هَذَا أَمْرٌ دُنْيَوِيٌّ تَوَسَّلَ بِهِ لِذَلِكَ فَلَا بَأْسَ بِهِ.
(وَالرَّابِعُ) مِمَّا بِهِ الرِّيَاءُ (الْعَمَلُ كَتَطْوِيلِ الْمُصَلِّي الْقِيَامَ وَالرُّكُوعَ وَالسُّجُودَ وَتَعْدِيلِ الْأَرْكَانِ) فِي الْقَوْمَةِ وَالْجَلْسَةِ وَلَوْ كَانَ وَاجِبًا كَمَا هُوَ عِنْدَ بَعْضٍ فِي جَرَيَانِ الرِّيَاءِ خَفَاءً يُعْلَمُ مِمَّا سَبَقَ فَارْجِعْ فَتَدَبَّرْ (وَإِطْرَاقِ) طَأْطَأَةِ (الرَّأْسِ) لِإِيهَامِ أَنَّهُ عَلَى خَوْفٍ وَزِيَادَةِ خَشْيَةٍ فِي صَلَاتِهِ حَتَّى إنَّهُ لَيْسَ لَهُ خَيْرٌ عَنْ غَيْرِهِ (وَتَرْكِ الِالْتِفَاتِ) إلَى غَيْرِ مَا سُنَّ نَظَرُهُ فِي الصَّلَاةِ (وَإِظْهَارِ الْهُدُوِّ) أَيْ السُّكُونِ فِي الْأَفْعَالِ (وَالسُّكُونِ) كَالْمُسْتَغْنَى عَنْهُ لَكِنَّهُ أَتَى بِهِ لِزِيَادَةِ بَسْطِ (وَتَسْوِيَةِ الْقَدَمَيْنِ وَ) تَسْوِيَةِ (الْبَدَنِ) كَالصَّالِحِينَ (فِي مَحْضَرِ النَّاسِ) لِيُعَظِّمُوهُ وَلَا يَذُمُّوهُ (دُونَ الْخَلْوَةِ) فَيَتْرُكُ حِينَئِذٍ (وَقِسْ عَلَيْهَا) عَلَى مَا ذُكِرَ (سَائِرَ الْعِبَادَاتِ) كَإِعْطَاءِ الزَّكَاةِ وَالْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ كَمَا قِيلَ {ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ} [الملك: ٤] فَافْهَمْ مَرَّتَيْنِ أَقُولُ وَكَذَا نَحْوُ الْغَزْوِ وَنَوَافِلِ الصَّدَقَةِ وَلَعَلَّ كَذَا بِنَاءُ الْمَسَاجِدِ وَالْمَدَارِسِ وَالْقَنْطَرَاتِ وَنَحْوِهَا هَذَا رِيَاءُ أَهْلِ الْآخِرَةِ (وَرِيَاءُ أَهْلِ الدُّنْيَا) فِي بَابِ الْعَمَلِ (بِالتَّبَخْتُرِ) التَّمَايُلِ (وَالِاخْتِيَالِ) ، وَهُوَ الْخُيَلَاءُ بِالضَّمِّ وَالْكَسْرِ بِمَعْنَى الْكِبْرِ (وَتَقْرِيبِ الْخُطَى) بِالضَّمِّ جَمْعُ خَطْوَةٍ بِالْفَتْحِ قِيلَ عَنْ الْعَوَارِفِ مَرَّ الْمُهَلَّبُ صَاحِبُ جَيْشِ الْحَجَّاجِ مُتَبَخْتِرًا فِي جُبَّةِ خَزٍّ أَيْ إبْرَيْسِمَ فَقَالَ لَهُ مُطَرِّفٌ يَا عَبْدَ اللَّهِ هَذِهِ مِشْيَةٌ يُبْغِضُهَا اللَّهُ تَعَالَى وَرَسُولُهُ فَقَالَ: الْمُهَلَّبُ أَمَا تَعْرِفُنِي قَالَ أَعْرِفُك حَقَّ الْمَعْرِفَةِ أَوَّلُك نُطْفَةٌ مَذِرَةٌ أَيْ فَاسِدَةٌ وَآخِرُك جِيفَةٌ قَذِرَةٌ وَأَنْتَ تَحْمِلُ مَا بَيْنَ ذَلِكَ عَذِرَةً فَتَرَكَ الْمُهَلَّبُ مِشْيَتَهُ تِلْكَ (وَالْأَخْذِ بِأَطْرَافِ الذَّيْلِ) لِإِظْهَارِ الْخِفَّةِ وَالنَّشَاطِ (وَنَحْوِهِ) كَوَضْعِ أَطْرَافِ الْقَدَمِ وَالْأَصَابِعِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute