للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الثَّانِي بَيَانُ طَرِيقِ دَفْعِ (حِيَلِهِ الَّتِي تَشْتَدُّ إلَيْهَا) إلَى مَعْرِفَتِهَا مَعَ طُرُقِ دَفْعِهَا (الْحَاجَةُ فِي التَّقْوَى) لِيَدْفَعَ عَنْهُ كَيْدَ الْعَدُوِّ وَيَتَخَلَّصَ مِنْ أَمْرِهِ (فِي جَمِيعِ مَجَارِيهَا) فِعْلًا كَانَ أَوْ تَرْكًا (خُصُوصًا فِي الْإِخْلَاصِ) الَّذِي هُوَ رُوحُ الْعَمَلِ وَسَبَبُ قِوَامِهِ (فَنَقُولُ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ) لِصُعُوبَةِ الْمَبْحَثِ وَقُوَّةِ خَفَائِهِ خَصَّهُ بِتَصْرِيحِ ذَلِكَ مَعَ كَوْنِ جَمِيعِ الْأَقْوَالِ مُحْتَاجًا إلَى التَّوْفِيقِ اعْلَمْ أَنَّ فِي كَيْفِيَّةِ دَفْعِ وَسَاوِسِ الشَّيْطَانِ ثَلَاثَةَ مَذَاهِبَ الِاسْتِعَاذَةُ بِاَللَّهِ فَقَطْ، وَالْمُحَارَبَةُ فِي دَفْعِ الشَّيْطَانِ فَقَطْ، وَالْجَمْعُ بَيْنَهُمَا وَهُوَ الْمُخْتَارُ.

وَلِذَا قَالَ (الْمَذْهَبُ الْمُخْتَارُ فِيهِ الْجَمْعُ بَيْنَ الِاسْتِعَاذَةِ وَالْمُحَارَبَةِ) الظَّاهِرُ لَيْسَ ذَلِكَ عَلَى إطْلَاقِهِ بَلْ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَشْخَاصِ بَلْ بِاخْتِلَافِ الْأَحْوَالِ أَوْ الْأَوْقَاتِ وَلَوْ بِالنَّظَرِ إلَى شَخْصٍ وَاحِدٍ (فَنَسْتَعِيذُ) نَعْتَصِمُ (بِاَللَّهِ - تَعَالَى - أَوَّلًا مِنْ شَرِّهِ كَمَا أَمَرَ اللَّهُ - تَعَالَى - بِهِ) بِقَوْلِهِ - {وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ} [الأعراف: ٢٠٠]- (فَإِنَّ الشَّيْطَانَ كَلْبٌ سُلِّطَ عَلَيْنَا) لِلِابْتِلَاءِ وَالِاخْتِبَارِ وَلِتَكْثِيرِ أُجُورِنَا بِمُجَاهَدَتِهِ (فَعَلَيْنَا الرُّجُوعُ إلَى رَبِّهِ) صَاحِبِهِ الَّذِي أَمْرُهُ بِيَدِهِ (لِيَصْرِفَهُ عَنَّا) أَيْ وَسَاوِسَهُ وَغَوَائِلَهُ، فَإِنَّ رَبَّ الْكَلْبِ أَدْفَعُ فَإِنْ قِيلَ هَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ صَاحِبُ الْكَلْبِ مُسَلِّطًا إيَّاهُ فَإِنْ كَانَ التَّسْلِيطُ مِنْ قِبَلِ الصَّاحِبِ كَيْفَ يُفِيدُ الرُّجُوعُ إلَيْهِ قُلْنَا إنْ كَانَ تَسْلِيطُهُ لِمُجَرَّدِ الِاخْتِبَارِ فَالْفَائِدَةُ ظَاهِرَةٌ فَإِنْ قِيلَ كَيْفَ يُتَصَوَّرُ التَّسْلِيطُ وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ} [الحجر: ٤٢] وَقَالَ حِكَايَةً عَنْ الشَّيْطَانِ - {وَمَا كَانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ} [إبراهيم: ٢٢]- قُلْنَا الْمُرَادُ مِنْ السُّلْطَانِ الْقَهْرُ وَالْجَبْرُ، وَالْوَسْوَسَةُ لَيْسَ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ أَوْ الْمُرَادُ هُوَ الْحُجَّةُ فَإِنَّهُ لَيْسَ لِلشَّيْطَانِ فِي وَسْوَسَتِهِ مِنْ حُجَّةٍ بَلْ دَعْوَى مُجَرَّدَةٍ أَوْ دَعْوَى مُجَرَّدَةٍ بِنَحْوِ الْمُيُولَاتِ الْفَاسِدَةِ وَبِالْجُمْلَةِ التَّدْبِيرُ فِي دَفْعِ الشَّيْطَانِ الِالْتِجَاءُ أَوَّلًا إلَى الرَّحْمَنِ فَإِنَّ الِاشْتِغَالَ بِدَفْعِهِ ابْتِدَاءً تَعَبٌ وَتَضْيِيعُ عُمُرٍ وَوَقْتٍ بَلْ رُبَّمَا لَا يُؤْمَنُ مِنْ غَلَبَتِهِ وَجُرْحِهِ وَسِهَامِهِ فَالْأَوْلَى الرُّجُوعُ إلَى صَاحِبِهِ كَكَلْبٍ عَقُورٍ لَا يَنْدَفِعُ بِأَنْوَاعِ الْحِيَلِ وَالْمُعَالَجَاتِ الصَّعْبَةِ بَلْ قَدْ يَغْلِبُ وَيَفْتَرِسُ وَيَنْدَفِعُ بِزَجْرَةٍ وَاحِدَةٍ مِنْ صَاحِبِهِ.

(ثُمَّ نَسْتَخِفُّ) أَيْ نَتَهَاوَنُ (بِدَعْوَتِهِ) وَلَا نَلْتَفِتُ بِاشْتِغَالِ رَدِّهِ (وَنَنْفِيهَا) نَحْنُ مِنْ خَاطِرِنَا وَنَجْعَلُهَا بِمَنْزِلَةِ الْعَدَمِ (كُلَّمَا وَرَدَتْ وَلَا نَشْتَغِلُ بِالْمُحَارَبَةِ) مَعَهُ؛ لِأَنَّ كَيْدَهُ وَسْوَسَةٌ مُجَرَّدَةٌ وَشَيْءٌ ضَعِيفٌ وَقَدْ قُرِّرَ فِي عِلْمِ الْمُنَاظَرَةِ أَنَّ بَعْضَ الشَّبَهِ لِغَايَةِ ضَعْفِهِ لَا يَسْتَحِقُّ الْجَوَابَ وَفِي الْأُصُولِيِّينَ الشُّبْهَةُ الَّتِي لَا تَنْشَأُ مِنْ الدَّلِيلِ لَا تُنَافِي الْقَطْعَ وَذَلِكَ قَوْلُهُ (وَالْجَوَابُ فَإِنَّهُ) أَيْ الشَّيْطَانَ (بِمَنْزِلَةِ الْكَلْبِ النَّابِحِ) مِنْ النُّبَاحِ وَهُوَ صَوْتُ الْكِلَابِ (كُلَّمَا أَقْبَلْت عَلَيْهِ) لِتَزْجُرَهُ (وَلِعَ) حَرَصَ (بِك وَلَجَّ) بَالَغَ فِي طَلَبِك فَيَغْلِبُ عَلَيْك قَالَ يَحْيَى بْنُ مُعَاذٍ الرَّازِيّ الشَّيْطَانُ فَارِغٌ وَأَنْتَ مَشْغُولٌ وَالشَّيْطَانُ يَرَاك وَأَنْتَ لَا تَرَاهُ وَأَنْتَ تَنْسَاهُ وَهُوَ لَا يَنْسَاك وَمِنْ نَفْسِك لِلشَّيْطَانِ عَوْنٌ

<<  <  ج: ص:  >  >>