للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(مِنْ قَبِيلِ الِاسْتِقْسَامِ بِالْأَزْلَامِ) أَيْ طَلَبُ الْقَسْمِ وَهُوَ الْحَظُّ وَالنَّصِيبُ وَالْأَزْلَامُ جَمْعُ زَلَمٍ مِثْلُ قَلَمٍ لَفْظًا وَمَعْنًى كَانَ ذَلِكَ عَادَةَ الْجَاهِلِيَّةِ فَحَرَّمَهُ تَعَالَى بِقَوْلِهِ {وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالأَزْلامِ} [المائدة: ٣] أَيْ الْأَقْلَامِ الثَّلَاثَةِ مَكْتُوبٌ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهَا أَمَرَنِي رَبِّي وَعَلَى آخَرَ نَهَانِي رَبِّي، وَلَيْسَ عَلَى الثَّالِثِ شَيْءٌ.

فَإِذَا خَرَجَ مَا أَمَرَنِي يَفْعَلُونَ ذَلِكَ وَمَا نَهَانِي لَمْ يَفْعَلُوا وَإِذَا خَرَجَ الْخَالِي يَسْتَقْسِمُونَ ثَانِيًا وَثَالِثًا (فَلَا يَجُوزُ اسْتِعْمَالُهَا) أَيْ هَذِهِ الْأَشْيَاءُ الَّتِي هِيَ مِنْ قَبِيلِ الِاسْتِقْسَامِ؛ لِأَنَّهُ حُكْمٌ عَلَى الْغَيْبِ (وَلَا) يَجُوزُ (اعْتِقَادُهَا حَقًّا) لِعَدَمِ خَارِجٍ يُطَابِقُهُ (كَيْفَ وَأَنَّ فِيهَا الْخَبَرَ عَنْ الْغَيْبِ) وَعِلْمُ الْغَيْبِ مُنْفَرِدٌ بِهِ تَعَالَى لَكِنْ يُرَدُّ عَلَيْهِ إنْ أُرِيدَ عِلْمُ الْغَيْبِ عَلَى الِاسْتِقْلَالِ فَغَيْرُ مُسَلَّمٍ وَإِنْ بِالْأَمَارَاتِ وَالْعَلَائِمِ وَإِلَّا اسْتِدْلَالٌ بِالتَّجَارِبِ فَكَوْنُ ذَلِكَ مِنْ قَبِيلِ الْحُكْمِ عَلَى الْغَيْبِ مَمْنُوعٌ بَلْ مِثْلُ ذَلِكَ كَثِيرٌ فِيمَا يَجُوزُ شَرْعًا وَلِهَذَا لَا يَكْفُرُ صَاحِبُهَا

قَالَ فِي شَرْحِ الْعَقَائِدِ وَبِالْجُمْلَةِ الْعِلْمُ بِالْغَيْبِ أَمْرٌ تَفَرَّدَ بِهِ اللَّهُ تَعَالَى لَا سَبِيلَ إلَيْهِ لِلْعِبَادِ إلَّا بِإِعْلَامٍ مِنْهُ أَوْ إلْهَامٍ بِطَرِيقِ الْمُعْجِزَةِ وَالْكَرَامَةِ ثُمَّ قَالَ أَوْ إرْشَادٍ إلَى الِاسْتِدْلَالِ بِالْأَمَارَاتِ فِيمَا يُمْكِنُ ذَلِكَ فِيهِ وَلِهَذَا ذُكِرَ فِي الْفَتَاوَى أَنَّ قَوْلَ الْقَائِلِ عِنْدَ رُؤْيَةِ هَالَةِ الْقَمَرِ يَكُونُ مَطَرٌ مُدَّعِيًا عِلْمَ الْغَيْبِ لَا بِعَلَامَةِ كُفْرٍ (وَالتَّطَيُّرُ بِالْقُرْآنِ الْعَظِيمِ نَعُوذُ بِاَللَّهِ تَعَالَى) عَنْ الْقُهُسْتَانِيِّ أَخْذُ الْفَأْلِ مِنْ الْقُرْآنِ مَكْرُوهٌ أَيْ كَرَاهَةَ تَحْرِيمٍ؛ لِأَنَّهُ الْمَحْمَلُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ عِنْدَنَا وَعَنْ ابْنِ عَرَبِيٍّ فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ الْمَائِدَةِ تَحْرِيمُهُ وَمُبَاحٌ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ وَمُقْتَضَى مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ كَرَاهَةَ تَنْزِيهٍ؛ لِأَنَّهَا الْمَحْمَلُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ عِنْدَهُمْ وَفِي كِتَابِ أَدَبِ الدُّنْيَا لِلْمَاوَرْدِيِّ أَنَّ الْوَلِيدَ بْنَ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ تَفَاءَلَ يَوْمًا فِي الْمُصْحَفِ فَخَرَجَ لَهُ قَوْله تَعَالَى {وَاسْتَفْتَحُوا وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ} [إبراهيم: ١٥] فَمَزَّقَ الْمُصْحَفَ وَأَنْشَأَ شِعْرًا

أَتَوَعَّدُ كُلَّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ ... فَهَا أَنَا ذَاكَ جَبَّارٌ عَنِيدُ

إذَا مَا جِئْت رَبَّك يَوْمَ حَشْرٍ ... فَقُلْ يَا رَبِّ مَزَّقَنِي الْوَلِيدُ

فَلَمْ يَلْبَثْ إلَّا أَيَّامًا يَسِيرَةً حَتَّى قُتِلَ وَصُلِبَ رَأْسُهُ عَلَى قَصْرِهِ ثُمَّ عَلَى سُورِ بَلَدِهِ وَقِيلَ بِجَوَازِ التَّفَاؤُلِ دُونَ التَّشَاؤُمِ حَتَّى يُرْوَى عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - لَعَلَّك سَمِعْت ذَلِكَ فِيمَا سَبَقَ وَرَوَى مُسْلِمٌ عَنْ «مُعَاوِيَةَ بْنِ الْحَكَمِ أَنَّهُ قَالَ سَأَلْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ خَطِّ الرَّمْلِ، فَقَالَ كَانَ نَبِيٌّ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ وَهُوَ إدْرِيسُ وَقِيلَ هُوَ دَانْيَالُ يَخُطُّ فَمَنْ وَافَقَ خَطَّهُ فَذَاكَ الَّذِي تَجِدُونَ إصَابَتَهُ» كَذَا نُقِلَ عَنْ الْقَاضِي

وَعَنْ الْخَطَّابِيِّ يَجُوزُ أَنْ يُرَادَ بِهِ الزَّجْرُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ كَانَ مُعْجِزَةً لَهُ وَمُوَافَقَةُ خَطِّ غَيْرِهِ لَهُ مُمْتَنِعٌ فَلَا يُبَاحُ لَنَا خَطُّ الرَّمْلِ قَالَ فِي الْمَبَارِقِ عَنْ النَّوَوِيِّ هُوَ الصَّحِيحُ (وَإِنَّمَا الْفَأْلُ التَّيَمُّنُ وَالتَّبَرُّكُ بِالْكَلِمَةِ الْمُوَافِقَةِ لِلْمُرَادِ لِمَا قَالَ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَالرَّاشِدِ وَالنَّجِيحِ) كَمَا سَبَقَ (وَيُلْحَقُ بِهَا) الْكَلِمَةُ الْحَسَنَةُ (رُؤْيَةُ الصَّالِحِينَ) يُتَيَّمَن بِهِمْ فِي قَضَاءِ الْمَطَالِبِ (وَ) مُصَادَفَةُ (الْأَيَّامِ الشَّرِيفَةِ) الْمُعَدَّةِ لِحُصُولِ الْفَيْضِ عَادَةً كَأَيَّامِ الْأَعْيَادِ وَكَيَوْمِ الْأَرْبِعَاءِ لِبَدْءِ السَّبْقِ وَالْخَمِيسِ وَالِاثْنَيْنِ لِلسَّفَرِ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُحَشِّي لَكِنْ يَشْكُلُ أَنَّ التَّفَاؤُلَ مَا لَا يَكُونُ بِالْقَصْدِ وَالْأَيَّامِ

<<  <  ج: ص:  >  >>