للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حَيْثُ يَجِبُ إمْسَاكُهُ بِحُكْمِ الشَّرْعِ أَوْ) بِحُكْمِ (الْمُرُوءَةِ، وَهِيَ) أَيْ الْمُرُوءَةُ (رَغْبَةٌ صَادِقَةٌ لِلنَّفْسِ فِي الْإِفَادَةِ) لِلْغَيْرِ مِمَّا يُنْتَفَعُ بِهِ (بِقَدْرِ مَا يُمْكِنُ وَالْفُتُوَّةُ) فِي اللُّغَةِ السَّخَاءُ وَالْكَرَمُ، وَفِي اصْطِلَاحِ أَهْلِ الْحَقِيقَةِ إيثَارُ الْخَلْقِ بِنَفْسِك بَعْدَ أَنْ تُؤْثِرَهُمْ بِالدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ بِأَنْ تَبْذُلَ نَفْسَك لِكُلِّ خَسِيسٍ وَنَفِيسٍ فِيمَا يُرِيدُ وَتُمَكِّنَهُ مِنْ التَّصَرُّفِ فِيك، وَقِيلَ أَنْ يَكُونَ الْعَبْدُ أَبَدًا فِي أَمْرِ غَيْرِهِ، وَإِلَيْهِ يُشِيرُ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا يَزَالُ اللَّهُ فِي حَاجَةِ الْعَبْدِ مَا دَامَ الْعَبْدُ فِي حَاجَةِ أَخِيهِ» ، وَقِيلَ هِيَ الصَّفْحُ عَنْ عَثَرَاتِ الْإِخْوَانِ وَسَتْرُ عُيُوبِهِمْ، وَقِيلَ أَنْ لَا تَرَى لِنَفْسِك فَضْلًا عَلَى غَيْرِك، وَقِيلَ إظْهَارُ النِّعْمَةِ وَكِتْمَانُ الْمَحَبَّةِ (أَخَصُّ مِنْهَا، وَهِيَ) أَيْ الْفُتُوَّةُ (كَفُّ الْأَذَى وَبَذْلُ النَّدَى) أَيْ الْإِحْسَانُ (وَالصَّفْحُ عَنْ الْعَثَرَاتِ) أَيْ الْإِعْرَاضُ عَنْ الزَّلَّاتِ (وَسَتْرُ الْعَوْرَاتِ) أَيْ الْقَبَائِحِ، (وَهُمَا) أَيْ الْبُخْلُ وَالْإِسْرَافُ (فِي مُخَالَفَةِ الشَّرْعِ حَرَامَانِ) كَالْبُخْلِ بِمَا أَوْجَبَهُ اللَّهُ تَعَالَى، وَإِضَاعَةِ الْمَالِ فِيمَا يَحْرُمُ كَمَنْعِ الزَّكَاةِ، وَإِعْطَاءِ الْمَالِ بِالْخَمْرِ وَالْغِنَاءِ (وَفِي مُخَالَفَةِ الْمُرُوءَةِ مَكْرُوهَانِ تَنْزِيهًا. وَضِدُّهُمَا)

أَيْ الْبُخْلِ وَالْإِسْرَافِ (، وَهُوَ الْوَسَطُ بَيْنَ ذَيْنِك الطَّرَفَيْنِ التَّفْرِيطِ وَالْإِفْرَاطِ) أَيْ الْإِكْثَارُ ضِدُّ التَّفْرِيطِ (مَعَ الْمَيْلِ إلَى الْبَذْلِ السَّخَاءُ) خَبَرٌ لِقَوْلِهِ وَضِدُّهُمَا (وَالْجُودُ) عَطْفُ تَفْسِيرٍ لِلسَّخَاءِ (فَهُوَ مَلَكَةُ بَذْلِ الْمَالِ زَائِدًا عَلَى الْوَاجِبِ) الشَّرْعِيِّ أَوْ الْمُرُوءَةُ (لِنَيْلِ الثَّوَابِ أَوْ) تَحْصِيلِ (فَضِيلَةِ الْجُودِ وَتَطْهِيرِ النَّفْسِ عَنْ رَذَالَةِ الْبُخْلِ لَا لِغَرَضٍ آخَرَ) مِنْ الْأَغْرَاضِ الدُّنْيَوِيَّةِ (مَعَ الِاحْتِرَازِ عَنْ الْإِسْرَافِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ} [الإسراء: ٢٩] أَيْ لَا تَجْعَلْ يَدَك مَرْبُوطَةً إلَى عُنُقِك مِنْ كَثْرَةِ الْبُخْلِ مَخَافَةَ أَنْ تَغْلَطَ وَتُعْطِيَ {وَلا تَبْسُطْهَا} [الإسراء: ٢٩] أَيْ الْيَدَ {كُلَّ الْبَسْطِ} [الإسراء: ٢٩] فِي الْإِعْطَاءِ فَتَمْثِيلَانِ لِمَنْعِ الشَّحِيحِ، وَإِسْرَافِ الْمُبَذِّرِ نَهَى عَنْهُمَا آمِرًا بِالِاقْتِصَادِ بَيْنَهُمَا الَّذِي هُوَ الْكَرَمُ {فَتَقْعُدَ مَلُومًا} [الإسراء: ٢٩] فَتَصِيرُ مَلُومًا عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى، وَعِنْدَ النَّاسِ بِالْإِسْرَافِ وَسُوءِ التَّدْبِيرِ {مَحْسُورًا} [الإسراء: ٢٩] نَادِمًا أَوْ مُنْقَطِعًا بِك قِيلَ نَزَلَتْ حِينَ «جَاءَ صَبِيٌّ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ إنَّ أُمِّي تَسْأَلُك دِرْعًا، وَلَمْ يَكُنْ لِرَسُولِ اللَّهِ إلَّا قَمِيصُهُ فَقَالَ لِلصَّبِيِّ عُدْ، وَقْتًا آخَرَ فَذَهَبَ إلَى أُمِّهِ فَقَالَتْ قُلْ لَهُ إنَّ أُمِّي تَسْأَلُك الدِّرْعَ الَّذِي عَلَيْك فَدَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دَارِهِ فَنَزَعَ قَمِيصَهُ فَأَعْطَاهُ، وَقَعَدَ عُرْيَانًا فَأَذَّنَ بِلَالٌ وَانْتَظَرُوا لِلصَّلَاةِ فَلَمْ يَخْرُجْ فَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ} [الإسراء: ٢٩] الْآيَةَ {وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا} [الفرقان: ٦٧] » لَمْ يُجَاوِزُوا حَدَّ الْكَرَمِ {وَلَمْ يَقْتُرُوا} [الفرقان: ٦٧] ، وَلَمْ يُضَيِّقُوا تَضْيِيقَ الشَّحِيحِ، وَقِيلَ الْإِسْرَافُ هُوَ الْإِنْفَاقُ فِي الْمَحَارِمِ وَالتَّقْتِيرُ مَنْعُ الْوَاجِبِ

<<  <  ج: ص:  >  >>