للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَأَمَّا آفَاتُهُ الدُّنْيَوِيَّةُ فَالْخَوْفُ وَالْحُزْنُ وَالْهَمُّ وَالتَّعَبُ فِي دَفْعِ الْحُسَّادِ وَتَجَشُّمِ الْمَصَاعِبِ فِي حِفْظِ الْأَمْوَالِ وَكَسْبِهَا فَإِذَنْ تِرْيَاقُ الْمَالِ أَخْذُ الْقُوتِ مِنْهُ وَصَرْفُ الْبَاقِي إلَى الْخَيْرَاتِ وَمَا عَدَاهُ سَمُومٌ وَآفَاتٌ. انْتَهَى.

فَقَدْ عَلِمْت مِمَّا ذُكِرَ أَنَّ كَوْنَ الْمَالِ خَيْرًا مِنْ جِهَةٍ وَآفَةً مِنْ جِهَةٍ وَالشَّيْءُ الْوَاحِدُ يَتَّصِفُ بِالضِّدَّيْنِ بِاعْتِبَارَيْنِ (وَخَيْرُ النَّاسِ مَنْ يَنْفَعُ النَّاسَ، وَقَدْ سَبَقَ أَنَّ الْكَسْبَ لِأَجْلِ التَّصَدُّقِ) فِي أَوَاخِرِ الْفَصْلِ الثَّانِي مِنْ الْبَابِ الثَّانِي (أَفْضَلُ مِنْ التَّخَلِّي لِلْعِبَادَةِ) لَيْلًا وَنَهَارًا؛ لِأَنَّ نَفْعَهُ مُتَعَدٍّ وَنَفْعَ ذَلِكَ قَاصِرٌ (وَبِهِ) أَيْ بِالْكَسْبِ لِذَلِكَ (يُحَصِّلُ أَفْضَلَ الْمَنَازِلِ) فِي الْجَنَّةِ (ت عَنْ أَبِي كَبْشَةَ الْأَنْصَارِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ فِي حَدِيثٍ طَوِيلٍ «عَبْدٌ رَزَقَهُ اللَّهُ مَالًا، وَعِلْمًا» نُقِلَ الْحَدِيثُ عَنْ رِيَاضِ الصَّالِحِينَ لِلنَّوَوِيِّ، وَهُوَ «ثَلَاثٌ أُقْسِمَ عَلَيْهِنَّ وَأُحَدِّثُكُمْ حَدِيثًا فَاحْفَظُوهُ مَا نَقَصَ مَالُ عَبْدٍ مِنْ صَدَقَةٍ، وَلَا ظُلِمَ عَبْدٌ مَظْلَمَةٌ صَبَرَ عَلَيْهَا إلَّا زَادَهُ اللَّهُ تَعَالَى عِزًّا، وَلَا فَتَحَ عَبْدٌ مَسْأَلَةً إلَّا فَتَحَ لَهُ اللَّهُ تَعَالَى بَابَ فَقْرٍ أَوْ كَلِمَةً نَحْوَهَا وَأُحَدِّثُكُمْ حَدِيثًا فَاحْفَظُوهُ قَالَ إنَّمَا الدُّنْيَا لِأَرْبَعَةِ نَفَرٍ عَبْدٌ رَزَقَهُ اللَّهُ تَعَالَى» إلَخْ (فَهُوَ) أَيْ ذَلِكَ الْعَبْدُ (يَتَّقِي فِيهِ رَبَّهُ) بِأَنْ يَعْمَلَ بِعِلْمِهِ وَيُؤَدِّيَ حُقُوقَ مَالِهِ (وَيَصِلَ فِيهِ) أَيْ الْمَالِ (رَحِمَهُ) وُجُوبًا أَوْ نَدْبًا (وَيَعْمَلَ لِلَّهِ فِيهِ حَقًّا فَهَذَا) يُجَازَ بِهِ (بِأَفْضَلِ الْمَنَازِلِ) الرَّفِيعَةِ فِي الْجَنَّةِ لِجَمْعِهِ بَيْنَ الْمَالِ وَالْعِلْمِ وَجَوَّزَهُ لِفَضْلِهِمَا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَآخِرُ الْحَدِيثِ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ «وَعَبْدٌ رَزَقَهُ اللَّهُ عِلْمًا، وَلَمْ يَرْزُقْهُ مَالًا فَهُوَ صَادِقُ النِّيَّةِ يَقُولُ لَوْ أَنَّ لِي مَالًا لَعَمِلْت بِعَمَلِ فُلَانٍ فَهُوَ بِنِيَّتِهِ فَأَجْرُهُمَا سَوَاءٌ، وَعَبْدٌ رَزَقَهُ اللَّهُ مَالًا، وَلَمْ يَرْزُقْهُ عِلْمًا تَخَبَّطَ فِي مَالِهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ، وَلَمْ يَتَّقِ فِيهِ رَبَّهُ، وَلَا يَصِلُ مِنْهُ رَحِمَهُ وَلَا يَعْمَلُ لِلَّهِ فِيهِ حَقًّا فَهَذَا بِأَخْبَثِ الْمَنَازِلِ، وَعَبْدٌ لَمْ يَرْزُقْهُ اللَّهُ مَالًا، وَلَا عِلْمًا فَهُوَ يَقُولُ لَوْ أَنَّ لِي مَالًا لَعَمِلْت فِيهِ بِعَمَلِ فُلَانٍ فَهُوَ بِنِيَّتِهِ فَوِزْرُهُمَا سَوَاءٌ» ثُمَّ إنَّ قَطْعَ الْحَدِيثِ مِنْ أَوَّلِهِ أَوْ مِنْ آخِرِهِ قَدْ مَنَعَ بَعْضٌ مُطْلَقًا وَجَوَّزَ بَعْضٌ مُطْلَقًا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ارْتِبَاطُ الْمَذْكُورِ لِلْمَتْرُوكِ نَعَمْ وَإِلَّا لَا، لَعَلَّ هُوَ الْمُخْتَارُ فَافْهَمْ. وَجْهُ الِاحْتِجَاجِ ظَاهِرٌ إذْ لَا أَفْضَلَ مِنْ الْعَمَلِ الْمُؤَدِّي إلَى الْمَقَامِ الرَّفِيعِ.

(خ م عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «لَا حَسَدَ إلَّا فِي اثْنَيْنِ» يَعْنِي لَا تَكُونُ الْغِبْطَةُ مَمْدُوحَةً إلَّا فِي حَقِّ رَجُلَيْنِ لَيْسَ هَذَا هُوَ الْحَسَدُ الْمُحَرَّمُ بَلْ بِمَعْنَى الْغِبْطَةِ، وَهُوَ تَمَنِّي مِثْلِ مَالِهِ مِنْ غَيْرِ إرَادَةِ الزَّوَالِ عَنْهُ قِيلَ لَا بَأْسَ فِيهِ، وَقِيلَ مَرْضِيٌّ إذَا كَانَ الْمُتَمَنَّى مَا يُتَقَرَّبُ بِهِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى كَطَلَبِ الْمَالِ لِلْإِنْفَاقِ فِي الْخَيْرِ وَالْعِلْمِ لِلْعَمَلِ وَالْإِرْشَادِ، وَعَنْ رِيَاضِ الصَّالِحِينَ يَنْبَغِي أَنْ لَا يُغْبَطَ إلَّا عَلَى هَذَيْنِ «رَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ الْحِكْمَةَ» أَيْ الْعِلْمَ النَّافِعَ وَدَوَامَ الْعَمَلِ بِمُوجَبِهِ، وَقِيلَ أَيْ الْعِلْمُ الْمَصْحُوبُ بِنَفَاذِ الْبَصِيرَةِ وَنُورِ السَّرِيرَةِ «فَهُوَ يَقْضِي بِهِ» بِمُقْتَضَاهُ «وَرَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ مَالًا فَسَلَّطَهُ عَلَى هَلَكَتِهِ» بِفَتَحَاتٍ كَغَلَبَةٍ بِمَعْنَى إهْلَاكِهِ «فِي» طَرِيقِ «الْحَقِّ» فَمَا يَكُونُ مَحْسُودًا شَرْعًا لَا يَكُونُ إلَّا مَمْدُوحًا لَا سِيَّمَا إنْ كَانَ فِي الْقُرْآنِ وَالْحِكْمَةِ - {وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا} [البقرة: ٢٦٩]

<<  <  ج: ص:  >  >>