للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(عَلَى أَنْ يَضِيعَ مَا فَضَلَ مِنْ الْكِسْرَاتِ، وَلَا يَأْكُلُهُ أَحَدٌ أَوْ عَلَى أَنْ يَقْصِدَ الرِّيَاءَ وَالسُّمْعَةَ وَالشُّهْرَةَ، وَإِلَّا فَلَا إسْرَافَ) فِيهِ وَكَذَا لَا حَظْرَ مِنْ غَيْرِ سَرَفٍ لَكِنَّ قَوْلَهُ أَوْ عَلَى أَنْ يَقْصِدَ الرِّيَاءَ مِمَّا لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ مَقْصُودُ الْمَقَامِ فَافْهَمْ (وَأَمَّا أَكْلُ النَّفَائِسِ) جَمْعُ نَفِيسَةٍ، وَهِيَ مَا يُرْغَبُ فِيهِ عَلَى وَجْهِ الْمُبَارَاةِ وَيَجِيءُ بِمَعْنَى الْخَطِيرِ (مِنْ الْأَطْعِمَةِ، وَلُبْسِ اللِّبَاسِ الْفَاخِرِ وَالرَّقِيقِ) ، وَقَدْ سَمِعْت سَابِقًا أَنَّ قِيمَةَ رِدَائِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي بَعْضِ الْأَيَّامِ أَلْفُ دِرْهَمٍ، وَفِي بَعْضِهَا أَرْبَعَةُ آلَافٍ، وَقِيمَةَ رِدَاءِ أَبِي حَنِيفَةَ أَرْبَعُمِائَةِ دِينَارٍ (وَبِنَاءُ الْأَبْنِيَةِ وَنَحْوِهَا مِمَّا لَمْ يَمْنَعْ عَنْهُ الشَّارِعُ تَحْرِيمًا فَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَيْسَ بِإِسْرَافٍ إذَا كَانَ مِنْ حَلَالٍ، وَلَمْ يَقْصِدْ بِهِ الْكِبْرَ وَالْفَخْرَ) عَنْ الْقُنْيَةِ لُبْسُ الثِّيَابِ الْجَمِيلَةِ مُبَاحٌ إذَا لَمْ يَتَكَبَّرْ وَتَفْسِيرُهُ أَنْ يَكُونَ مَعَهَا كَمَا كَانَ قَبْلَهَا. انْتَهَى.

فِي الْخُلَاصَةِ لَا بَأْسَ بِلُبْسِ الثِّيَابِ الْجَمِيلَةِ إذَا كَانَ لَا يَتَكَبَّرُ، وَلَا يُضَيِّعُ الْفَرَائِضَ، وَلَا يَمْنَعُ حُقُوقَ اللَّهِ تَعَالَى فِي التتارخانية يَجُوزُ لِلْإِنْسَانِ أَنْ يَبْسُطَ فِي بَيْتِهِ مَا شَاءَ مِنْ الثِّيَابِ الْمُتَّخَذَةِ مِنْ الصُّوفِ وَالْقُطْنِ وَالْكَتَّانِ وَالْمُنَقَّشَةِ، وَلَهُ سَتْرُ الْجُدْرَانِ بِالْإِزَارِ مِنْ اللِّبْدِ وَغَيْرِهِ وَيَجُوزُ بَسْطُ مَا فِيهِ صُورَةٌ أَوْ يَتَّخِذَ مَا يَجْلِسُ عَلَيْهِ الْمُصَلُّونَ. وَفِي الْبُسْتَانِ الْبِسْ مِنْ الثِّيَابِ مَا لَا يُزْرِيك بِهِ السُّفَهَاءُ وَلَا يَعِيبُ الْفُقَهَاءُ، وَعَنْ عُمَرَ إذَا وَسَّعَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَوَسِّعُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ، وَأَمَّا الْأَبْنِيَةُ فَعَنْ الطَّبَرَانِيِّ عَنْ مُعَاذِ بْنِ أَنَسٍ أَنَّهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ بَنَى بُنْيَانًا فِي غَيْرِ ظُلْمٍ، وَلَا اعْتِدَاءٍ كَانَ أَجْرُهُ جَارِيًا مَا انْتَفَعَ أَحَدٌ مِنْ خَلْقِ اللَّهِ» .

وَأَمَّا قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ بَنَى بِنَاءً أَكْثَرَ مِمَّا يَحْتَاجُ إلَيْهِ كَانَ عَلَيْهِ وَبَالًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ» وَكَذَا قَوْلُهُ «مَنْ بَنَى فَوْقَ مَا يَكْفِيهِ كُلِّفَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَنْ يَحْمِلَهُ عَلَى عُنُقِهِ» وَكَذَا قَوْلُهُ «مَنْ بَنَى فَوْقَ عَشَرَةِ أَذْرُعٍ نَادَاهُ مُنَادٍ مِنْ السَّمَاءِ يَا عَدُوَّ اللَّهِ إلَى أَيْنَ تُرِيدُ» كَمَا فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَكَذَا مَا رُوِيَ «الْمُؤْمِنُ يُؤْجَرُ فِي نَفَقَتِهِ كُلِّهَا إلَّا شَيْئًا جَعَلَهُ فِي التُّرَابِ وَالْبِنَاءِ» كَمَا نُقِلَ عَنْ شِهَابِ الْأَخْبَارِ

وَكَذَا قَوْلُهُ «إذَا أَرَادَ اللَّهُ بِعَبْدٍ شَرًّا جَعَلَ مَالَهُ فِي الطَّبِيخَيْنِ» أَيْ الْآجُرِّ وَالْخَشَبِ كَمَا نُقِلَ عَنْ الْكِفَايَةِ وَنَحْوِهَا فَلَعَلَّهَا مِنْ قَبِيلِ الْمَانِعِ الشَّرْعِيِّ الْمُشَارِ بِقَوْلِ الْمُصَنِّفِ مَا لَمْ يَمْنَعْ عَنْهُ الشَّارِعُ وَكَذَا مَا حُكِيَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِمَاكٍ أَنَّهُ قَالَ لِهَارُونَ الرَّشِيدِ حِينَ بَنَى دَارًا رَفِيعًا رَفَعْت الطِّينَ وَوَضَعْت الدِّينَ إنْ كَانَ هُوَ مِنْ مَالِك فَأَنْتَ مِنْ الْمُسْرِفِينَ وَاَللَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ وَإِنْ كَانَ مِنْ مَالِ غَيْرِك فَأَنْتَ مِنْ الظَّالِمِينَ وَاَللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ وَفِي رِوَايَةٍ، وَأَنْتَ خَائِنٌ وَاَللَّهُ لَا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ فَاللَّائِقُ بِمَنْ بَنَى أَنْ يَنْوِيَ بِبِنَائِهِ عِبَادَتَهُ تَعَالَى فِيهِ وَحِفْظَهُ مِنْ الْحَرِّ وَالْبَرْدِ، وَلَا يُنْفِقُ مَالًا كَثِيرًا فِي الْبِنَاءِ إذْ لَا خَيْرَ فِيمَا يُنْفَقُ فِي الْمَاءِ وَالطِّينِ كَمَا فِي الشِّرْعَةِ قَالَ الْمُنَاوِيُّ فِي شَرْحِ الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ هَذَا الْحَدِيثُ، وَإِنْ كَانَ مُطْلَقًا لَكِنَّهُ خُصَّ بِالْقَرَائِنِ وَالْأَحْوَالِ بِنَحْوِ بِنَاءِ الْمَسْجِدِ وَالرِّبَاطِ وَمَوَاضِعِ التَّعَبُّدِ يُؤْجَرُ الْبَانِي اتِّفَاقًا، وَعَنْ حُجَّةِ الْإِسْلَامِ: مِنْ أَبْوَابِ الشَّيْطَانِ وَوَسَاوِسِهِ حُبُّ التَّزَيُّنِ فِي نَحْوِ الْبِنَاءِ إلَى آخِرِ مَا قَالَ فِيهِ فَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ (وَإِنْ كَانَ شَبِيهًا بِهِ) صُورَةً (وَ) إنْ كَانَ (يُعَدُّ مِنْهُ) أَيْ مِنْ الْإِسْرَافِ (مَجَازًا وَمَكْرُوهًا تَنْزِيهًا) يُشِيرُ إلَى نَحْوِ مَا ذُكِرَ مِنْ الْأَحَادِيثِ وَيَجُوزُ جَمْعُ الْكَرَاهَةِ مَعَ عَدَمِ السَّرَفِ لَكِنْ قَدْ عُدَّ مِنْ السَّرَفِ بَعْضُ الْمَكْرُوهَاتِ فَافْهَمْ (إذْ اللَّائِقُ بِطَالِبِ الْآخِرَةِ أَنْ يَقْنَعَ) بِمُجَرَّدِ الْكَفَافِ كَمًّا وَكَيْفًا (وَيَتَصَدَّقَ) بِمَا يَزِيدُ عَلَى دَفْعِ ضَرُورَتِهِ (لِأَنَّ الْآخِرَةَ خَيْرٌ وَأَبْقَى) .

(وَمِنْ الْإِسْرَافِ كُلُّ مَا صُرِفَ إلَى الْمَعَاصِي وَالْمَنَاهِي) كَمَا صُرِفَ إلَى الْخَمْرِ

<<  <  ج: ص:  >  >>