للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(خ م عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «خَيْرُ الصَّدَقَةِ مَا كَانَ عَنْ ظَهْرِ غِنًى» لَفْظُ ظَهْرِ مُقْحَمٌ وَالْغِنَى هُنَا مُجَرَّدُ عَدَمِ الِاحْتِيَاجِ إلَى الْغَيْرِ فِي النَّفَقَةِ وَالْكُسْوَةِ لَا الْغِنَى الشَّرْعِيُّ؛ لِأَنَّ مَنْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ يَنْدَمُ غَالِبًا وَنُكِّرَ غِنًى لِلتَّفْخِيمِ، وَلَا يُنَافِيهِ «أَفْضَلُ الصَّدَقَةِ جَهْدُ الْمُقِلِّ» ؛ لِأَنَّ الْفَضِيلَةَ تَتَفَاوَتُ حَسْبَ الْأَشْخَاصِ، وَقُوَّةِ التَّوَكُّلِ أَوْ الْمُرَادُ بِالْمُقِلِّ الْغَنِيُّ الْقَلْبِ كَمَا فِي الْفَيْضِ، وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ «لَيْسَ الْغِنَى عَنْ كَثْرَةِ الْعَرْضِ وَلَكِنَّ الْغِنَى غِنَى النَّفْسِ» قَالَ النَّوَوِيُّ مَذْهَبُنَا أَنَّ التَّصَدُّقَ بِجَمِيعِ الْمَالِ مُسْتَحَبٌّ لِمَنْ لَا دَيْنَ عَلَيْهِ، وَلَا لَهُ عِيَالٌ لَا يَصْبِرُونَ وَيَكُونُ هُوَ يَصْبِرُ عَلَى الْفَقْرِ فَإِنْ لَمْ يَجْمَعْ هَذِهِ الشُّرُوطَ فَمَكْرُوهٌ. آخِرُ الْحَدِيثِ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ «وَابْدَأْ» أَمْرٌ مِنْ الْبَدْءِ أَيْ ابْتَدِئْ «بِمَنْ تَعُولُ» أَيْ بِمَنْ تَلْزَمُك نَفَقَتُهُ وَالْمَعْنَى أَفْضَلُ الصَّدَقَةِ مَا أَخْرَجَهُ مِنْ مَالِهِ بَعْدَ اسْتِيفَاءِ قَدْرِ كِفَايَةِ عِيَالِهِ، وَقِيلَ الْمُرَادُ بِظَهْرِ الْغِنَى مَا يَفْضُلُ عَنْ الْعِيَالِ، وَعَنْ النَّوَوِيِّ أَيْ أَفْضَلُ الصَّدَقَةِ مَا أَبْقَتْ بَعْدَهَا غِنًى يَسْتَظْهِرُ بِهِ صَاحِبُهَا عَلَى مَصَالِحِهِ إذْ الْمُتَصَدِّقُ بِمَالِهِ كُلِّهِ يَنْدَمُ عِنْدَ الْحَاجَةِ، وَقِيلَ أَيْ مَا كَانَ بَعْدَ الصَّدَقَةِ مَا يَقُومُ بِحُقُوقِ النَّفْسِ وَالْعِيَالِ، وَعَلَيْهِ يَشْكُلُ بِنَحْوِ قَوْله تَعَالَى {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ} [الحشر: ٩] إذْ نُزُولُهَا لِأَنْصَارِيٍّ آثَرَ عَلَى احْتِيَاجِ نَفْسِهِ أَوْ عَلَى احْتِيَاجِ صَبِيِّهِ فَقِيرًا مُهَاجِرِيًّا وقَوْله تَعَالَى {وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ} [الإنسان: ٨] أَيْ عَلَى شِدَّةِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ، وَقُوَّةِ الشَّهْوَةِ لَهُ لَعَلَّ الْجَوَابَ عَنْ الْحَدِيثِ السَّابِقِ جَوَابٌ هُنَا أَيْضًا ثُمَّ فِي فَصْلِ الْهَمْزَةِ مِنْ الْجَامِعِ وَقَعَ أَفْضَلُ الصَّدَقَةِ الْحَدِيثَ.

قَالَ الْمُنَاوِيُّ: وَفِيهِ أَنَّ تَبْقِيَةَ بَعْضِ الْمَالِ أَفْضَلُ مِنْ التَّصَدُّقِ بِكُلِّهِ إلَّا لِأَهْلِ الْيَقِينِ كَالصِّدِّيقِ وَأَضْرَابِهِ، وَمَحْصُولُهُ أَنَّ الْفَضِيلَةَ تَتَفَاوَتُ بِحَسَبِ الْأَشْخَاصِ، وَقُوَّةِ التَّوَكُّلِ وَضَعْفِ الْيَقِينِ كَمَا مَرَّ.

وَعَنْ الطَّبَرَانِيِّ «خَيْرُ الصَّدَقَةِ مَا أَبْقَتْ غِنًى» أَيْ مَا بَقِيَتْ لَك بَعْدَ إخْرَاجِهَا كِفَايَةٌ لَك؛ وَلِعِيَالِك، وَقِيلَ مَا حَصَلَ بِهِ لِلسَّائِلِ غِنًى عَنْ سُؤَالٍ كَمَنْ أَرَادَ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِأَلْفٍ فَأَعْطَاهُ لِمِائَةِ رَجُلٍ لَمْ يَظْهَرْ عَلَيْهِمْ الْغِنَى بِخِلَافِ إعْطَائِهِ لِوَاحِدٍ «الْيَدُ الْعُلْيَا خَيْرٌ مِنْ الْيَدِ السُّفْلَى وَابْدَأْ بِمَنْ تَعُولُ» .

(غ) الْبَغَوِيّ (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّهُ «جَاءَ رَجُلٌ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ عِنْدِي دِينَارٌ» قِيلَ وَزْنُهُ إحْدَى وَسَبْعُونَ شَعِيرَةً وَالْمَشْهُورُ أَنَّ تَدْوِيرَهُ فِي خِلَافَةِ الْفَارُوقِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَكَانَ قَبْلَهُ عَلَى شَبَهِ النَّوَاةِ بِلَا نَقْشٍ ثُمَّ نُقِشَ فِي زَمَانِ ابْنِ الزُّبَيْرِ كَمَا نُقِلَ عَنْ الْقُهُسْتَانِيِّ «فَقَالَ أَنْفِقْهُ عَلَى نَفْسِك» ، وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ «ابْدَأْ بِنَفْسِك» «قَالَ عِنْدِي دِينَارٌ آخَرُ قَالَ أَنْفِقْهُ عَلَى وَلَدِك قَالَ عِنْدِي آخَرُ قَالَ أَنْفِقْهُ عَلَى أَهْلِك قَالَ عِنْدِي آخَرُ قَالَ أَنْفِقْهُ عَلَى خَادِمِك قَالَ عِنْدِي آخَرُ قَالَ أَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ» أَيْ أَنْتَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ الْإِنْفَاقِ وَبَيْنَ الِادِّخَارِ، وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ «ابْدَأْ بِمَنْ تَعُولُ» .

(م عَنْ جَابِرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ: «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ابْدَأْ بِنَفْسِك» أَيْ بِمَا تَحْتَاجُهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>