(فَيُحْرَمُ مَقْصُودُهُ) مِنْ أَدَاءِ عِبَادَتِهِ وَحُصُولِ طَلَبِهِ الْمُعَلَّقِ فِي عِلْمِهِ تَعَالَى بِدُعَائِهِ لَوْ دَامَ كَمَا فِي حَدِيثِ الْمَصَابِيحِ «يُسْتَجَابُ لِلْعَبْدِ مَا لَمْ يَدْعُ بِإِثْمٍ أَوْ قَطِيعَةِ رَحِمٍ مَا لَمْ يَسْتَعْجِلْ قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا الِاسْتِعْجَالُ؟ قَالَ يَقُولُ قَدْ دَعَوْت قَدْ دَعَوْت فَلَمْ يَسْتَجِبْ فَيَتَحَسَّرُ عِنْدَ ذَلِكَ وَيَدَعُ الدُّعَاءَ» فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَتَعَجَّلَ، وَلَا يَمَلَّ مِنْ الدُّعَاءِ؛ لِأَنَّهُ عِبَادَةٌ إنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُلِحِّينَ فِي الدُّعَاءِ
لَا تَعْجَلَنَّ لِأَمْرٍ أَنْتَ طَالِبُهُ ... فَقَلَّمَا يُدْرِكُ الْمَطْلُوبَ ذُو الْعَجَلِ
فَذُو التَّأَنِّي مُصِيبٌ فِي مَقَاصِدِهِ ... وَذُو التَّعَجُّلِ لَا يَخْلُو عَنْ الزَّلَلِ
(وَالْآفَةُ الثَّانِيَةُ) أَيْ الْبَاعِثُ عَلَى الْإِقْدَامِ عَلَى شَيْءٍ بِأَوَّلِ خَاطِرٍ بِدُونِ التَّأَمُّلِ (فَوْتُ التَّقْوَى وَالْوَرَعِ) ؛ لِأَنَّ الْإِقْدَامَ عَلَى مَا لَمْ يُعْلَمْ حَالُهُ يُنَافِي التَّقْوَى وَالْوَرَعَ (لِأَنَّ أَصْلَهُ) أَيْ الْوَرَعِ (النَّظَرُ الْبَالِغُ) الْكَامِلُ (وَالْبَحْثُ التَّامُّ فِي كُلِّ شَيْءٍ هُوَ بِصَدَدِهِ) حَتَّى يَطَّلِعَ عَلَى حَقِيقَتِهِ فَيَحْتَرِزَ عَمَّا يَلْزَمُ احْتِرَازُهُ وَيَفْعَلَ مَا لَا بُدَّ مِنْ فِعْلِهِ إذْ قَدْ صَرَّحَ الْعُلَمَاءُ بِأَنَّ مَا لَمْ تُعْلَمْ صِحَّتُهُ لَا يَجُوزُ اتِّبَاعُهُ فَضْلًا عَمَّا ظَهَرَ بُطْلَانُهُ.
(وَ) الْآفَةُ الثَّانِيَةُ أَيْضًا (إصَابَةُ مَكْرُوهٍ لِنَفْسِهِ بِأَنْ يُعَجِّلَ فِي شُرُوعِ أَمْرٍ فِيهِ ضَرَرٌ بِلَا تَأَمُّلٍ أَوْ كَانَ) أَيْ، وَقَعَ (فِي بَلِيَّةٍ) مِثْلَ الْمَرَضِ أَوْ الظُّلْمِ (فَلَا يَتَحَمَّلُهَا) لِصُعُوبَتِهَا (فَيَدْعُو عَلَى نَفْسِهِ) بِبَلَاءٍ أَشَدَّ مِمَّا هُوَ فِيهِ (فَيُسْتَجَابُ لَهُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَيَدْعُ الإِنْسَانُ بِالشَّرِّ دُعَاءَهُ بِالْخَيْرِ} [الإسراء: ١١] أَيْ يَسْأَلُ اللَّهَ عِنْدَ غَضَبِهِ الشَّرَّ عَلَى نَفْسِهِ، وَأَوْلَادِهِ وَأَمْوَالِهِ، الْآيَةَ. {وَكَانَ الإِنْسَانُ عَجُولا} [الإسراء: ١١] ؛ وَلِهَذَا يُسَارِعُ إلَى مَا لَا يَعْلَمُ خَيْرِيَّتَهُ بِالْفِكْرَةِ الْأُولَى الْمُسَمَّاةِ بِنَظَرِ الْحَمْقَاءِ فَإِنَّ الْعُقَلَاءَ لَا يَجْتَرِئُونَ بِلَا تَأَمُّلٍ فِي الْعَوَاقِبِ. حُكِيَ عَنْ لُقْمَانَ الْحَكِيمِ أَنَّهُ قَالَ إنِّي تَعَلَّمْت الْحِكْمَةَ مِنْ الْعُمْيَانِ فَإِنَّهُمْ لَا يَضَعُونَ أَقْدَامَهُمْ قَبْلَ الْفَحْصِ فَإِنَّ فِيهِ تَمْكِينًا يَضَعُونَ وَيَمْشُونَ، وَإِلَّا فَيَتْرُكُونَ وَيَطْلُبُونَ جِهَةً أُخْرَى فِيهَا تَمْكِينٌ فَلِذَا لَا أَفْعَلُ شَيْئًا بِلَا تَأَمُّلِ مَا فِيهِ، وَفِي عَاقِبَتِهِ (أَوْ) إصَابَةُ مَكْرُوهٍ (لِغَيْرِهِ) عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ لِنَفْسِهِ (بِأَنْ يَظْلِمَهُ مَثَلًا إنْسَانٌ فَيُعَجِّلَ) لِصَدَاقَتِهِ أَوْ قَرَابَتِهِ (فِي الِانْتِقَامِ وَالِانْتِصَارِ لَهُ) بِدُونِ تَأَمُّلٍ فِي كَوْنِ الْعَفْوِ أَفْضَلَ مِنْهُ فَيُصِيبُ الْغَيْرَ بِمَكْرُوهٍ (أَوْ يَدْعُو) إلَى اللَّهِ تَعَالَى (عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى ذَلِكَ الْغَيْرِ بِالْهَلَاكِ (فَيُسْتَجَابُ) فَيَلْحَقُهُ ضَرَرٌ قَدْ يَنْدَمُ عَلَيْهِ (وَرُبَّمَا يَتَجَاوَزُ) فِي الِانْتِقَامِ وَالدُّعَاءِ (عَنْ الْحَدِّ فَيَقَعُ فِي مَعْصِيَةٍ) فِيهِ تَنْبِيهٌ أَنَّ الدُّعَاءَ عَلَى شَخْصٍ إنَّمَا يَجُوزُ عَلَى قَدْرِ اسْتِحْقَاقِهِ فَإِنْ لَمْ يَسْتَحِقَّ أَصْلًا أَوْ اسْتَحَقَّ بِمَا دُونَ دَعَا عَلَيْهِ فَلَيْسَ بِجَائِزٍ بَلْ قَدْ يُرَدُّ عَلَى نَفْسِ الدَّاعِي فَيَنْعَكِسُ الضَّرَرُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ جَزَاءَ سَيِّئَةٍ إنَّمَا يَكُونُ مِثْلَهَا وَلَا يَجُوزُ الِاعْتِدَاءُ أَكْثَرَ مِنْ مِثْلِ مَا اُعْتُدِيَ بِهِ عَلَيْهِ (وَ) آفَتُهَا أَيْضًا (خَوْفُ فَوْتِ النِّيَّةِ) وَالْأَعْمَالُ إنَّمَا تَكُونُ بِالنِّيَّةِ لَكِنْ يَشْكُلُ أَنَّ الْأَفْعَالَ الِاخْتِيَارِيَّةَ مَسْبُوقَةٌ بِالْقَصْدِ أَلْبَتَّةَ وَدَعْوَى الْفَرْقِ بَيْنَ الْقَصْدِ وَالنِّيَّةِ هُنَا تَحَكُّمٌ كَيْفَ؟
وَقَدْ نُقِلَ عَنْ النَّوَوِيِّ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ أَنَّ النِّيَّةَ هُوَ الْقَصْدُ نَعَمْ عَنْ الْبَيْضَاوِيِّ هِيَ انْبِعَاثُ الْقَلْبِ نَحْوَ مَا يَرَاهُ مُوَافِقًا لِغَرَضٍ مِنْ جَلْبِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute