عَيْبًا أَوْ نُقْصَانًا عَلَى الْمَنْقُولِ عَنْهُ أَوْ لَمْ يَكُنْ وَحَقِيقَةُ النَّمِيمَةِ إفْشَاءُ السِّرِّ وَهَتْكُ السِّتْرِ عَمَّا يُكْرَهُ كَشْفُهُ بَلْ كُلُّ مَا يَرَاهُ الْإِنْسَانُ مِنْ أَحْوَالِ النَّاسِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَسْكُتَ عَنْهُ إلَّا مَا فِي حِكَايَتِهِ فَائِدَةٌ لِمُسْلِمٍ أَوْ دَفْعٌ لِمَعْصِيَةٍ فَإِنْ كَانَ مَا يَنِمُّ بِهِ نُقْصَانًا أَوْ عَيْبًا فِي مَحْكِيٍّ عَنْهُ فَهُوَ غِيبَةٌ وَنَمِيمَةٌ مَعًا وَالْبَاعِثُ عَلَى النَّمِيمَةِ إمَّا إرَادَةُ السُّوءِ بِالْمَحْكِيِّ عَنْهُ أَوْ إظْهَارُ الْحُبِّ لِلْمَحْكِيِّ لَهُ أَوْ التَّفَرُّجُ بِالْحَدِيثِ وَالْخَوْضُ فِي الْفُضُولِ.
وَأَمَّا الَّذِي نَمَّ إلَيْهِ فَعَلَيْهِ سِتَّةُ أُمُورٍ:
الْأَوَّلُ: أَنْ لَا يُصَدِّقَهُ لِأَنَّ النَّمَّامَ فَاسِقٌ وَهُوَ مَرْدُودُ الشَّهَادَةِ.
الثَّانِي: أَنْ يَنْهَاهُ وَيَنْصَحَهُ.
الثَّالِثُ: أَنْ يَبْغُضَهُ فِي اللَّهِ لِأَنَّهُ يَغِيض عِنْدَ اللَّهِ.
الرَّابِعُ: أَنْ لَا يَظُنَّ بِأَخِيهِ الْغَائِبِ سُوءًا.
الْخَامِسُ: أَنْ لَا يَحْمِلَ كَلَامَهُ عَلَى الْبَحْثِ وَالتَّفَحُّصِ.
السَّادِسُ: أَنْ لَا تَرْضَى لِنَفْسِك مَا نَهَيْتَ عَنْهُ النَّمَّامَ فَلَا تَحْكِي نَمِيمَتَهُ (وَفِي الْأَكْثَرِ تُطْلَقُ عَلَى نَقْلِ الْقَوْلِ الْمَكْرُوهِ إلَى الْمَقُولِ فِيهِ وَهِيَ حَرَامٌ) لِثُبُوتِهِ قَطْعًا بِمَا يَذْكُرُهُ الْمُصَنِّفُ (إلَّا أَنْ يَكُونَ لَهُ) لِلْمَقُولِ لَهُ (ضَرَرٌ فِيهِ) فِي ذَلِكَ الْقَوْلِ (وَلَمْ يَعْلَمْهُ) أَيْ الْمَقُولُ فِيهِ الضَّرَرُ (وَلَمْ يُمْكِنْ دَفْعُهُ إلَّا بِالْإِعْلَامِ فَيَجِبُ) حِينَئِذٍ الْإِعْلَامُ (لِأَنَّهُ نُصْحٌ) وَاجِبٌ (قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَلا تُطِعْ كُلَّ حَلافٍ} [القلم: ١٠] كَثِيرِ الْحَلِفِ فِي الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ {مَهِينٍ} [القلم: ١٠] حَقِيرِ الرَّأْيِ وَالتَّدْبِيرِ مِنْ الْمَهَانَةِ وَهِيَ الْحَقَارَةُ {هَمَّازٍ} [القلم: ١١] عَيَّابٍ طَعَّانٍ {مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ} [القلم: ١١] نَقَّالٍ لِلْحَدِيثِ عَلَى وَجْهِ السِّعَايَةِ وَالْإِفْسَادِ بَيْنَهُمْ {وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ} [الهمزة: ١] مَنْ يَعِيبُ فِي الْغَيْبِ {لُمَزَةٍ} [الهمزة: ١] مَنْ يَعِيبُ فِي وَجْهِهِ.
وَقِيلَ بِالْعَكْسِ وَالْهُمَزَةُ فِي الْأَصْلِ الْكَسْرُ وَاللَّمْزُ الطَّعْنُ فَشَاعَا فِي الْكَسْرِ مِنْ أَعْرَاضِ النَّاسِ وَالطَّعْنِ فِيهِمْ وَبِنَاءُ فِعْلِهِ يَدُلُّ عَلَى الِاعْتِيَادِ فَلَا يُقَالُ: ضُحَكَةٌ وَلُعَنَةٌ إلًّا لِلْمُكْثِرِ الْمُتَعَوِّدِ الظَّاهِرِ أَنَّ الْأُولَى لِلْمَعْنَى الثَّانِي وَالثَّانِيَةَ لِلْأَوَّلِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ دَلَالَتَهُمَا عَلَى الْمَطْلُوبِ إنَّمَا هِيَ بِانْضِمَامِ الْأَحَادِيثِ (خ م. عَنْ حُذَيْفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ «لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ» .
إنْ اسْتَحَلَّ أَوْ مَعَ السَّابِقِينَ «قَتَّاتٌ» أَيْ نَمَّامٌ (وَفِي رِوَايَةٍ نَمَّامٌ) وَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ النَّمَّامَ مَنْ يَتَحَدَّثُ مَعَ الْقَوْمِ فَيَنِمُّ وَالْقَتَّاتَ مَنْ يَتَسَمَّعُ عَلَى الْقَوْمِ وَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ.
وَعَنْ بَعْضٍ عَمَلُ النَّمَّامِ أَضَرُّ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ لِأَنَّ عَمَلَهُ بِالْوَسْوَسَةِ وَعَمَلَ النَّمَّامِ بِالْمُعَايَنَةِ.
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ مَشَى بَيْنَ اثْنَيْنِ سَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْهِ نَارًا تَحْرُقُهُ فِي قَبْرِهِ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ» .
وَعَنْ مُعَاذٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّ النَّمَّامِينَ يُحْشَرُونَ