للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَلِسَانُهُ يَمْدَحُ وَقَلْبُهُ يَقْدَحُ (طب قِيلَ «لِابْنِ عُمَرَ إنَّا نَدْخُلُ عَلَى أُمَرَائِنَا فَنَقُولُ الْقَوْلَ» الْمُوَافِقَ لِأَغْرَاضِهِمْ وَالْمُلَائِمَ لِطِبَاعِهِمْ مِنْ الْمَدْحِ وَالثَّنَاءِ وَإِظْهَارِ الْحُبِّ «فَإِذَا خَرَجْنَا قُلْنَا غَيْرَهُ فَقَالَ» ابْنُ عُمَرَ «كُنَّا نَعُدُّ ذَلِكَ نِفَاقًا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» وَفِي لَفْظِ نَعُدُّ تَنْبِيهٌ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ بِنِفَاقٍ حَقِيقِيٍّ بَلْ كَوْنُهُ نِفَاقًا إنَّمَا هُوَ بِالْعَدِّ لِشَبَهِهِ بِهِ وَفِي لَفْظِ كَانَ إشَارَةٌ إلَى اسْتِمْرَارِهِ فِي ذَلِكَ الْعَهْدِ لَا يَخْفَى أَنَّ ظَاهِرَهُ إنَّمَا هُوَ بِمَجْمُوعِ الْأَمْرَيْنِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ مُجَرَّدَ الْمَدْحِ وَالثَّنَاءِ ذَمِيمَةٌ بَلْ الدُّخُولَ أَيْضًا إلَّا أَنْ يُقَالَ الْمَقْصُودُ مُجَرَّدُ قَدْرِ اسْتِشْهَادِ الْمَقَامِ نَعَمْ الْكَلَامُ فِي كَلَامِ ابْنِ عُمَرَ إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّ ذَلِكَ فِي قُوَّةِ نَفْيِ الْمُقَيَّدِ وَهُوَ قَدْ يَرْجِعُ لِكُلٍّ مِنْ الْقَيْدِ وَالْمُقَيَّدِ وَفِيهِ بُعْدٌ فَتَأَمَّلْ ثُمَّ نَقُولُ إنَّ هَذَا عِنْدَ سَلَامَتِهِ مِنْ الْمَوَانِعِ وَالْعَوَارِضِ الضَّرُورِيَّةِ كَالْإِكْرَاهِ وَالْخَوْفِ عَلَى نَفْسِهِ وَعَلَى غَيْرِهِ أَوْ دَفْعِ مَظْلِمَتِهِ الَّتِي لِذَلِكَ الْقَوْلِ الْمُلَائِمِ لِطَبْعِهِ مَدْخَلٌ فِي نُفُوذِ رَجَائِهِ وَقَدْ سَبَقَ بَعْضُ تَفْصِيلِهِ ثُمَّ وَجْهُ الِاحْتِجَاجِ أَنَّ ظَاهِرَهُ أَنَّهُ فِي زَمَنِ رَسُولِ اللَّهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فَإِمَّا تَقْرِيرِيٌّ أَوْ تَصْرِيحِيٌّ وَأَمَّا الْحَمْلُ عَلَى مَذْهَبِ الصَّحَابِيِّ فَبَعِيدٌ فِي مِثْلِهِ جِدًّا

(وَمِنْهُ) أَيْ مِنْ النِّفَاقِ الْقَوْلِيِّ (تَصْدِيقُ الْكَاذِبِ) فِي مُكَاذَبَتِهِ وَلَوْ بِالرَّأْسِ (حذر حب س ت عَنْ جَابِرٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لِكَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَعَاذَك اللَّهُ مِنْ إمَارَةِ السُّفَهَاءِ» بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَالسَّفَهُ خِفَّةٌ تَعْتَرِي الْإِنْسَانَ فَتَحْمِلَهُ عَلَى الْعَمَلِ بِخِلَافِ مُوجَبِ الْعَقْلِ وَالشَّرْعِ (قَالَ) كَعْبٌ «وَمَا إمَارَةُ السُّفَهَاءِ؟ قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أُمَرَاءُ يَكُونُونَ بَعْدِي لَا يَهْتَدُونَ بِهَدْيِي» سِيرَتِي وَطَرِيقَتِي «وَلَا يَسْتَضِيئُونَ بِسُنَّتِي» إذْ مِنْ شَأْنِهَا الْإِخْرَاجُ مِنْ الظُّلْمَةِ إلَى النُّورِ «فَمَنْ صَدَّقَهُمْ بِكَذِبِهِمْ» هَذَا هُوَ مَحَلُّ الِاسْتِشْهَادِ لَكِنْ لَا يَخْفَى أَنَّهُ إنَّمَا يَكُونُ مِنْ آفَاتِ اللِّسَانِ إنْ كَانَ التَّصْدِيقُ بِالْقَوْلِ وَإِنْ كَانَ تَبَادُرُهُ بِالْقَلْبِ «وَأَعَانَهُمْ عَلَى ظُلْمِهِمْ» وَلَوْ بِالسُّكُوتِ عَلَى ظُلْمِهِمْ سِيَّمَا مِمَّنْ يَقْدِرُ عَلَى دَفْعِهِ وَمُكَالَمَتِهِ «فَأُولَئِكَ لَيْسُوا مِنِّي» مِنْ أَهْلِ هَدْيِي وَمِنْ الْعَامِلِينَ بِسُنَّتِي أَوْ مِنْ الْمُسْتَحَقِّينَ لِشَفَاعَتِي أَوْ لَيْسُوا مِنْ أُمَّتِي إنْ حَسَّنُوا ظُلْمَهُمْ الْقَطْعِيَّ «وَلَسْت مِنْهُمْ» كَالتَّأْكِيدِ تَغْلِيظًا وَتَشْدِيدًا «وَلَا يَرِدُونَ عَلَى حَوْضِي» وَكُلُّ الْأُمَّةِ وَارِدَةٌ عَلَى حَوْضِهِ قِيلَ كَمَا لَا يَشْرَبُ مِنْ خَمْرِ الْجَنَّةِ مَنْ مَاتَ مُصِرًّا عَلَى الْخَمْرِ مَعَ بَقَاءِ إيمَانِهِ فَفِيهِ زِيَادَةُ تَقْبِيحٍ لِتَصْدِيقِ الْكَاذِبِ مَعَ الْعِلْمِ بِحَالِهِ

«وَمَنْ لَمْ يُصَدِّقْهُمْ» بِكَذِبِهِمْ بَلْ يُعْلِنُ كَذِبَهُمْ إنْ قَدَرَ أَوْ يَبْغُضُ عَلَيْهِ بِقَلْبِهِ فَقَطْ إنْ لَمْ يَقْدِرْهُمْ «وَلَمْ يُعِنْهُمْ عَلَى ظُلْمِهِمْ» بَلْ يَمْنَعُهُمْ مِنْهُ «فَأُولَئِكَ» الْمَوْصُوفُونَ بِتِلْكَ الصِّفَاتِ الْجَلِيلَةِ وَالزُّلْفَى وَالْإِشَارَةُ مَنْ قِبَلِ أُولَئِكَ عَلَى هَدْيٍ مِنْ رَبِّهِمْ «مِنِّي وَأَنَا مِنْهُمْ وَسَيَرِدُونَ عَلَى حَوْضِي» فَيَشْرَبُونَ مِنْهُ شَرَابًا لَا ظَمَأَ بَعْدَهُ ثُمَّ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «يَا كَعْبَ بْنَ عُجْرَةَ النَّاسُ غَادِيَانِ» صِنْفَانِ وَأَصْلُ الْغُدُوِّ السَّيْرُ بِالْغَدَاةِ وَأُرِيدَ مُطْلَقُ السَّيْرِ فَصِنْفٌ «مُبْتَاعٌ» مُشْتَرٍ «نَفْسَهُ» مِنْ عَذَابِ اللَّهِ تَعَالَى بِالْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ «فَمُعْتِقُهَا» مِنْهُ أَيْ مِنْ عَذَابِهِ «وَ» صِنْفٌ «بَائِعٌ

<<  <  ج: ص:  >  >>