للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

النَّفْسِ وَحِينَئِذٍ يُسَدَّدُ إلَى طَرِيقِ الصَّوَابِ يَشْكُلُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى عَنْ يُوسُفَ {اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الأَرْضِ} [يوسف: ٥٥] وَعَنْ سُلَيْمَانَ عَلَى نَبِيِّنَا - عَلَيْهِمَا الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - {وَهَبْ لِي مُلْكًا} [ص: ٣٥] وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ إنَّ الشَّرِيعَةَ السَّابِقَةَ الْمَحْكِيَّةَ لَنَا إنَّمَا تَكُونُ شَرِيعَةً لَنَا إذَا لَمْ تُنْكَرْ

وَمِثْلُ مَا ذَكَرَ يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ إنْكَارًا لَنَا أَوْ هُوَ مُخْتَصٌّ بِالْأَنْبِيَاءِ لِعِصْمَتِهِمْ دُونَ غَيْرِهِمْ وَعَنْ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ أَنَّهُ دَخَلَ الْقَضَاءَ بِلَا طَلَبٍ ثُمَّ تَرَكَهُ مُدَّةً ثُمَّ دَخَلَهُ ثَانِيًا قَالَ وَعِنْدَ الْقَضَاءِ كَانَ لِي مُنَاسَبَةٌ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَكُنْت أَرَاهُ فِي كُلِّ أُسْبُوعٍ مَرَّةً فَتَرَكْت لِزِيَادَةِ قُرْبِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فَقُطِعَتْ الْمُنَاسَبَةُ الْأُولَى بِالْكُلِّيَّةِ فَدَخَلْت مَرَّةً أُخْرَى فَرَأَيْته فَقُلْت يَا رَسُولَ اللَّهِ تَرَكْت الْقَضَاءَ لِيَزِيدَ قُرْبَى وَكَانَ خِلَافُهُ فَقَالَ الْمُنَاسَبَةُ عِنْدَ الْقَضَاءِ أَزْيَدُ مِمَّا عِنْدَ التَّرْكِ لِأَنَّ عِنْدَ الْقَضَاءِ تَشْتَغِلُ بِإِصْلَاحِ نَفْسِك وَإِصْلَاحِ أُمَّتِي وَعِنْدَ التَّرْكِ تَشْتَغِلُ بِنَفْسِك فَقَطْ كَمَا فِي الشَّقَائِقِ وَيَشْكُلُ أَيْضًا بِعَدَمِ قَبُولِ الْإِمَامِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بَعْدَ الْإِكْرَاهِ وَمُقْتَضَى الْحَدِيثِ الْقَبُولُ لِتَسْدِيدِ الْمِلْكِ وَفِي مِفْتَاحِ السَّعَادَةِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَالِكٍ أَحْضَرَ الْمَنْصُورُ الْإِمَامَ إلَى بَغْدَادَ وَطُلِبَ لِلْقَضَاءِ فَهَرَبَ فَحَكَمَ بِحَبْسِهِ وَضَرْبِهِ كُلَّ يَوْمٍ عَشْرَةَ أَسْوَاطٍ حَتَّى ضُرِبَ مِائَةً وَعَشَرَةَ أَسْوَاطٍ فَلَمَّا تَتَابَعَ عَلَيْهِ الضَّرْبُ بَكَى وَأَكْثَرَ الْبُكَاءَ فَلَمْ يَلْبَثْ إلَّا يَسِيرًا فَمَاتَ مَحْبُوسًا مَبْطُونًا قِيلَ فَلَمَّا أَبَى دَسُّوا إلَيْهِ السُّمَّ فَقَتَلُوهُ وَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى دَفْنِهِ لِلزِّحَامِ إلَّا بَعْدَ الْعَصْرِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ تُوُفِّيَ فِي السِّجْنِ وَإِنَّمَا الْخِلَافُ أَنَّهُ مَاتَ بِالضَّرْبِ أَوْ السُّمِّ وَالتَّوْفِيقُ أَنَّهُ سُقِيَ السُّمَّ ثُمَّ ضُرِبَ مَصْلُوبًا حَتَّى يَتَفَرَّقَ السُّمُّ وَاخْتُلِفَ فِي كَيْفِيَّةِ السُّمِّ قِيلَ دَسُّوا إلَيْهِ السُّمَّ وَلَمْ يَعْرِفْهُ

وَقِيلَ أُكْرِهَ فَامْتَنَعَ وَقَالَ أَعْلَمُ مَا فِيهِ وَلَا أُعِينُ عَلَى نَفْسِي فَطُرِحَ وَصُبَّ فِي فَمِهِ فَلَمَّا أَحَسَّ بِمَوْتِهِ سَجَدَ فَمَاتَ سَاجِدًا وَاعْلَمْ أَنَّهُ جَرَى لِلْإِمَامِ مِثْلُهُ مَعَ ابْنِ أَبِي هُبَيْرَةَ مَرَّةً أُخْرَى فِي أَيَّامِ الْمَرْوَانِيَّةِ وَأَرَادَ أَنْ يُولَى قَضَاءَ الْكُوفَةِ فَأَبَى فَحَبَسَهُ وَضُرِبَ سِيَاطًا عَلَى رَأْسِهِ حَتَّى انْتَفَخَ رَأْسُهُ وَوَجْهُهُ فَلَمْ يَقْبَلْ فَقَالَ ضَرْبَةٌ فِي الدُّنْيَا أَهْوَنُ مِنْ مَقَامِعِ الْحَدِيدِ فِي الْآخِرَةِ ثُمَّ قَالَ أُشَاوِرُ أَصْحَابِي فَأَخْرَجَهُ مِنْ السِّجْنِ فَهَرَبَ إلَى مَكَّةَ إلَى الدَّوْلَةِ الْعَبَّاسِيَّةِ فَجَاءَ زَمَنُ الْخَلِيفَةِ الْمَنْصُورِ فَأَكْرَهَهُ فَلَمْ يَقْبَلْ وَالْجَوَابُ أَنَّ تَسْدِيدَ الْمَلَكِ فِي مُطْلَقِ الْجَوَازِ وَاحْتِرَازَ الْإِمَامِ مَقَامُ التَّقْوَى بَعْدَ تَسْلِيمِ كَوْنِ تَسْدِيدِ الْمَلَكِ فِي أَصْلِ الْجَوَازِ إذْ إلْقَاءُ النَّفْسِ إلَى التَّهْلُكَةِ لَيْسَ بِجَائِزٍ وَالضَّرُورَاتُ تُبِيحُ الْمَحْظُورَاتِ لَعَلَّ لَهُ سَبَبًا خَفِيًّا لَمْ نَطَّلِعْ عَلَيْهِ ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّهُ حُكِيَ عَنْ الْمَرْغِينَانِيِّ أَنَّهُ ذَكَرَ أَنَّ الْمَنْصُورَ دَعَا الْإِمَامَ وَالثَّوْرِيَّ وَشَرِيكًا وَمِسْعَرًا فَقَالَ الْإِمَامُ أَمَّا أَنَا فَأَحْتَالُ وَالثَّوْرِيُّ يَهْرُبُ وَمِسْعَرٌ يَتَجَنَّنُ وَأَمَّا شَرِيكٌ فَلَا آمَنُ لَهُ عَلَيْهِ أَنْ يَقَعَ فِيهِ وَكَانَ الْجُنْدِيُّ يَذْهَبُ بِهِمْ قَالَ سُفْيَانُ أُرِيدُ الْبَزَّازَ فَتَوَارَى بِالْحَائِطِ فَإِذَا سَفِينَةٌ مَمْلُوءَةٌ بِالشَّوْكِ فَقَالَ لِلْمَلَّاحِ خَلْفَ هَذَا الْحَائِطِ رَجُلٌ يُرِيدُ أَنْ يَذْبَحَنِي أَرَادَ الْقَضَاءَ فَسَتَرُوهُ تَحْتَ الشَّوْكِ وَأَمَّا مِسْعَرٌ فَقَالَ لِلْخَلِيفَةِ كَيْفَ دَوَابُّك وَغِلْمَانُك فَتَرَكُوهُ وَقَالُوا إنَّهُ مَجْنُونٌ قَالَ يَا شَيْخُ مَا أَنْتَ قَالَ أَخْرِجُوهُ فَإِنَّهُ مُخْتَلُّ الْعَقْلِ

وَأَمَّا الْإِمَامُ فَقَالَ إنِّي رَجُلٌ بَزَّازٌ وَأَهْلُ الْكُوفَةِ لَا يُرْضُونَ بِي فَتَرَكَهُ الْخَلِيفَةُ وَأَمَّا شَرِيكٌ فَقَالَ غَالِبُ حَالِي النِّسْيَانُ قَالَ نُطْعِمُك اللُّبَانَ حَتَّى يَذْهَبَ عَنْك النِّسْيَانُ قَالَ لِي خِفَّةً فَبِالْآخِرَةِ تَقَلَّدَ الْقَضَاءَ ثُمَّ عَزَلُوهُ لِمُمَاشَاتِهِ عَلَى خِلَافِ رَأْيِهِ (فَمِنْ هَذَا) أَيْ مِنْ أَجْلِ هَذَا الْحَدِيثِ (قَالَ بَعْضُهُمْ لَا يَجُوزُ قَبُولُ الْقَضَاءِ بِالِاخْتِيَارِ) وَإِنْ كَانَ أَهْلًا لَهُ وَإِنْ جَازَ بِالْإِكْرَاهِ كَمَا فَعَلَ مُحَمَّدٌ بَعْدَ مَوْتِ أَبِي يُوسُفَ وَفِي الْبَزَّازِيِّ لَا يَجُوزُ الطَّلَبُ بِحَالٍ عِنْدَ الْأَكْثَرِ وَلَوْ كُلِّفَ بِلَا طَلَبٍ لَا يَجُوزُ أَيْضًا مَا لَمْ يُجْبَرْ عَلَيْهِ عِنْدَ الْكَرْخِيِّ وَالْخَصَّافِ وَأَهْلِ الْعِرَاقِ وَلِذَا ضُرِبَ الْإِمَامُ أَيَّامًا وَقُيِّدَ نَيِّفًا وَخَمْسِينَ يَوْمًا وَامْتَنَعَ فِي الْأَصَحِّ (وَالْمُخْتَارُ جَوَازُهُ) بِلَا كَرَاهَةٍ إنْ أَهْلًا كَأَبِي يُوسُفَ وَإِلَّا فَمَعَ الْكَرَاهَةِ (رُخْصَةً إنْ كَانَ بِلَا سُؤَالٍ) بِلِسَانِهِ (وَلَا طَلَبٍ) بِقَلْبِهِ (وَلَا شَفَاعَةٍ) مِنْ الْغَيْرِ وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ وَعَامَّةُ الْمَشَايِخِ عَلَى

<<  <  ج: ص:  >  >>