للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ضَرَبَ الْمُرْضِعَةَ مَثَلًا لِلْإِمَارَةِ الْمُوصِلَةِ صَاحِبَهَا إلَى الْمَنَافِعِ الْعَاجِلَةِ وَالْفَاطِمَةَ وَهِيَ الَّتِي انْقَطَعَ لَبَنُهَا مَثَلًا لِمُفَارَقَتِهِ عَنْهَا بِانْعِزَالٍ أَوْ مَوْتٍ وَالْقَصْدُ ذَمُّ الْحِرْصِ عَلَيْهَا وَكَرَاهَةُ طَلَبِهَا شَبَّهَ الْإِمَارَةَ بِالْمُرْضِعَةِ وَانْقِطَاعَهَا بِالْمَوْتِ أَوْ الْعَزْلِ بِالْفَاطِمَةِ فَإِنَّهَا فِي الدُّنْيَا مَا دَامَتْ بَاقِيَةً فِي الْيَدِ تَدِرُّ عَلَيْهِ الْمَنَافِعَ الْعَاجِلَةَ فَإِذَا مَاتَ أَوْ فَاتَتْ حَصَلَ لِصَاحِبِهَا حَسْرَةٌ وَتَبِعَةٌ كَمَا لِلصَّبِيِّ حِينَ الْفَطْمِ فَلَا يَنْبَغِي لِلْعَاقِلِ أَنْ يَقْصِدَ لِلَذَّةٍ تَتْبَعُهَا حَسَرَاتٌ.

وَعَنْ الطِّيبِيِّ نِعْمَ فِعْلٌ غَيْرُ مُتَصَرِّفٍ وَإِذَا كَانَ فَاعِلُهُ مُؤَنَّثًا جَازَ إلْحَاقُ تَاءِ التَّأْنِيثِ بِهِ وَتَرْكُهَا قَالَ فِي الْمُنَاوِيِّ فَإِنْ قُلْت هَلْ مِنْ لَطِيفَةٍ فِي تَرْكِ التَّاءِ مَعَ فِعْلِ الْمَدْحِ وَإِثْبَاتِهَا مَعَ الذَّمِّ أُجِيبَ بِأَنَّ إرْضَاعَهَا أَحَبُّ حَالَتَيْهَا لِلنَّفْسِ وَفِطَامَهَا أَشَقُّهُمَا وَالتَّأْنِيثُ أَخْفَضُ حَالَتَيْ الْفِعْلِ فَاسْتَعْمَلَ حَالَةَ التَّذْكِيرِ مَعَ الْحَالَةِ الْمَحْبُوبَةِ الَّتِي هِيَ أَشْرَفُ حَالَتَيْ الْوِلَايَةِ وَاسْتَعْمَلَ حَالَةَ التَّأْنِيثِ مَعَ الْحَالَةِ الشَّاقَّةِ عَلَى النَّفْسِ وَهِيَ حَالَةُ الْفِطَامِ عِنْدَ الْوِلَايَةِ لِمَكَانِ الْمُنَاسَبَةِ فِي الْمَحَلَّيْنِ انْتَهَى.

وَفِي شَرْحِ الْمِشْكَاةِ إنَّمَا لَمْ يُلْحِقْ التَّاءَ بِنِعْمَ لِأَنَّ الْمُرْضِعَةَ مُسْتَعَارَةٌ لِلْإِمَارَةِ وَهِيَ وَإِنْ كَانَتْ مُؤَنَّثَةً لَكِنْ تَأْنِيثُهَا غَيْرُ حَقِيقِيٍّ وَأَلْحَقَهَا بِبِئْسَ نَظَرًا إلَى كَوْنِ الْإِمَارَةِ ذَاهِبَةً وَفِيهِ أَنَّ مَا يَنَالُهُ الْأَمِيرُ مِنْ الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ أَشَدُّ مِمَّا يَنَالُهُ مِنْ النَّعْمَاءِ فَعَلَى الْعَاقِلِ أَنْ لَا يُلِمَّ بِلَذَّةٍ تَتْبَعُهَا حَسَرَاتٌ قَالَ فِي الْمَطَامِحِ وَكَذَا سَائِرُ الْوِلَايَاتِ وَلِلْفُقَهَاءِ تَفْصِيلٌ فِي حُكْمِ الطَّلَبِ مُبَيَّنٌ فِي الْفُرُوعِ.

(حَدّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «مَا مِنْ أَمِيرِ عَشَرَةٍ» مِنْ الرِّجَالِ فَمَا فَوْقَهَا «إلَّا يُؤْتَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ» لِلْحِسَابِ «وَيَدُهُ مَغْلُولَةٌ» وَالْحَالُ أَنَّ يَدَهُ مَشْدُودَةٌ وَفِي رِوَايَةٍ مَغْلُولًا يَدَاهُ إلَى عُنُقِهِ «لَا يَفُكُّهُ إلَّا الْعَدْلُ» يَعْنِي كُلَّ أَمِيرٍ يُؤْتَى بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَشْدُودًا يَدَاهُ إلَى عُنُقِهِ إلَّا الْعَادِلَ وَآخِرُ الْحَدِيثِ أَوْ يُوبِقُهُ الْجِوَارُ يَعْنِي يُؤْتَى بِالْأَمِيرِ بِكُلِّ حَالٍ أَسِيرًا مُتَحَيِّرًا فِي أَمْرِهِ حَتَّى يُحَاسَبَ فَإِنْ كَانَ قَدْ عَدَلَ فِي الْحُكْمِ خَلَّصَهُ الْعَدْلُ وَإِنْ ظَلَمَ أَدْخُلهُ النَّارَ قَالَ ابْنُ بَطَّالٍ هَذَا وَعِيدٌ شَدِيدٌ عَلَى وُلَاةِ الْجَوْرِ فَمَنْ ضَيَّعَ مَنْ اسْتَرْعَاهُ أَوْ خَانَهُ ظَلَمَهُ فَقَدْ تَوَجَّهَ إلَيْهِ الطَّلَبُ بِمَظَالِمِ الْعِبَادِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَكَيْفَ يَقْدِرُ عَلَى التَّحْلِيلِ مِنْ ظُلْمِ أُمَّةٍ عَظِيمَةٍ.

وَعَنْ الْوَلْوَالِجيَّةِ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - «أَنَّهُ خَطَبَ عَلَى الْمِنْبَرِ وَقَالَ فِي خُطْبَتِهِ أَيُّهَا النَّاسُ سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ لَيْسَ مِنْ وَالٍ وَلَا قَاضٍ إلَّا يُؤْتَى بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يُوقَفَ بَيْنَ يَدَيْ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى الصِّرَاطِ ثُمَّ تَنْشُرُ الْمَلَائِكَةُ صَحِيفَةَ عَمَلِهِ مَعَ رَعِيَّتِهِ وَمَعَ مَنْ تَحْتَ يَدِهِ أَعَدَلَ أَمْ جَارَ فَيَقْرَؤُهَا عَلَى رُءُوسِ الْخَلَائِقِ فَإِنْ كَانَ عَدْلًا نَجَّاهُ اللَّهُ تَعَالَى بِعَدْلِهِ وَإِنْ كَانَ غَيْرَ عَدْلٍ انْتَقَضَ بِهِ الصِّرَاطُ انْتِقَاضَةً صَارَ بَيْنَ كُلِّ عُضْوٍ مِنْ أَعْضَائِهِ مَسِيرَةُ مِائَةِ سَنَةٍ» وَعَنْ الْوَلْوَالِجيَّةِ أَيْضًا أَنَّ أَبَا يُوسُفَ حِينَ حَضَرَهُ الْمَوْتُ دَمَعَتْ عَيْنَاهُ وَقَالَ اللَّهُمَّ إنَّك تَعْلَمُ أَنِّي مُنْذُ اُبْتُلِيتُ بِالْقَضَاءِ مَا رُفِعَتْ إلَيَّ خُصُومَةٌ إلَّا قَدَّمْت فِي ذَلِكَ كِتَابَك فَإِنْ لَمْ أَجِدْ فَسُنَّةَ رَسُولِك فَإِنْ لَمْ أَجِدْ فَسُنَّةَ أَصْحَابِ رَسُولِك فَإِنْ لَمْ أَجِدْ جَعَلْت أَبَا حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مَنْظَرَةً بَيْنِي وَبَيْنِك اللَّهُمَّ إنَّك كُنْت تَعْلَمُ أَنِّي لَمْ أَمِلْ إلَى أَحَدِ الْخَصْمَيْنِ حَتَّى الْقَلْبَ إلَّا فِي حَادِثَةٍ وَاحِدَةٍ قِيلَ لَهُ وَمَا تِلْكَ الْحَادِثَةُ قَالَ ادَّعَى نَصْرَانِيٌّ عَلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ دَعْوَى فَلَمْ يُمْكِنِّي أَنْ آمُرَ الْخَلِيفَةَ بِالْقِيَامِ عَنْ مَجْلِسِهِ وَالْمُسَاوَاةِ مَعَ خَصْمِهِ لَكِنْ دَفَعْت النَّصْرَانِيَّ إلَى جَانِبِ الْبِسَاطِ بِقَدْرِ مَا أَمْكَنَنِي ثُمَّ سَمِعْت الْخُصُومَ قَبْلَ أَنْ يُسَوَّى بَيْنَهُمَا فِي الْمَجْلِسِ انْتَهَى.

وَعَنْ أَنَسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «قَالَ كَيْفَ أَنْتُمْ إذَا كَانَ زَمَانٌ يَكُونُ الْأَمِيرُ فِيهِ كَالْأَسَدِ وَالْحَاكِمُ فِيهِ كَالذِّئْبِ الْأَعَطِّ وَالتَّاجِرُ فِيهِ كَالْكَلْبِ الْهَرَّارِ وَالْمُؤْمِنُ بَيْنَهُمْ كَالشَّاةِ الْوَلْهَى بَيْنَ الْقَلْسَيْنِ لَيْسَ لَهَا مَأْوَى فَكَيْفَ حَالُ شَاةٍ بَيْنَ أَسَدٍ وَذِئْبٍ وَكَلْبٍ»

<<  <  ج: ص:  >  >>