للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مَعَ مَا فِي مَدْحِهِ مِنْ تَعْزِيرِ مَنْ لَا يُعْرَفُ حَالُهُ بِالسُّوءِ وَالْفُحْشِ وَتَزْكِيَةِ مَنْ لَيْسَ لَهَا بِأَهْلٍ وَالْإِشْعَارِ بِاسْتِحْسَانِ فِسْقِهِ وَإِغْرَائِهِ عَلَى إدَامَتِهِ.

وَظَاهِرُ الْحَدِيثِ يَشْمَلُ مَا لَوْ مَدَحَهُ بِمَا فِيهِ كَسَخَاءٍ وَشَجَاعَةٍ وَلَعَلَّهُ غَيْرُ مُرَادٍ (وَفِي رِوَايَةِ يَعْلَى عَدَّ «إذَا مُدِحَ الْفَاسِقُ غَضِبَ الرَّبُّ وَاهْتَزَّ الْعَرْشُ» وَاهْتِزَازُهُ عِبَارَةٌ عَنْ أَمْرٍ عَظِيمٍ وَدَاهِيَةٍ وَذَلِكَ لِأَنَّ فِيهِ رِضًا بِمَا سَخِطَ اللَّهُ وَغَضِبَ بَلْ يَكَادُ يَكُونُ كُفْرًا لِأَنَّهُ رُبَّمَا يُفْضِي إلَى اسْتِحْلَالِ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَهَذَا هُوَ الدَّاءُ الْعُضَالُ لِأَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ وَالشُّعَرَاءِ وَالْقُرَّاءِ فِي زَمَانِنَا وَإِذَا كَانَ هَذَا حُكْمَ مَنْ مَدَحَ الْفَاسِقَ فَكَيْفَ مَنْ مَدَحَ الظَّالِمَ وَرَكَنَ إلَيْهِ وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا} [هود: ١١٣] قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ النَّهْيُ مُتَنَاوِلٌ لِلِانْحِطَاطِ فِي هَوَاهُمْ وَالِانْقِطَاعِ إلَيْهِمْ وَمُصَاحَبَتِهِمْ وَالرِّضَا بِأَعْمَالِهِمْ وَالنِّسْبَةِ إلَيْهِمْ وَالتَّزَيِّي بِزِيِّهِمْ كَذَا فِي الْفَيْضِ.

وَقِيلَ وَالْمَيْلُ بِأَدْنَى مَيْلٍ وَفِي الْفَيْضِ عَنْ الذَّهَبِيِّ قَالَ يَحْيَى كَذَّابٌ وَأَبُو حَاتِمٍ مُنْكَرُ الْأَحَادِيثِ.

وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ سَنَدُهُ ضَعِيفٌ.

(وَالرَّابِعُ أَنْ يَعْلَمَ أَنَّهُ) أَيْ الْمَدْحَ (لَا يُحْدِثُ فِي الْمَمْدُوحِ كِبْرًا أَوْ عُجْبًا أَوْ غُرُورًا) يُعْلَمُ ذَلِكَ بِالْقَرَائِنِ وَالْأَمَارَاتِ وَسُوءُ الظَّنِّ إنَّمَا يُمْنَعُ عِنْدَ عَدَمِ دَلِيلِهِ وَقَرِينَتِهِ فَلَا يُنَافِي حُسْنَ الظَّنِّ الْمَأْمُورَ بِهِ وَقَدْ سَمِعْت مِرَارًا أَنَّ لِلْوَسَائِلِ حُكْمَ الْمَقَاصِدِ وَأَنَّ مَا يُفْضِي إلَى الْحَرَامِ حَرَامٌ وَأَمَّا إذَا أَحْدَثَ فِي الْمَمْدُوحِ كَمَالًا وَزِيَادَةَ مُجَاهَدَةٍ وَسَعْيَ طَاعَةٍ فَلَا مَنْعَ بَلْ لَهُ اسْتَجَابَ كَمَا فِي الْجَامِعِ عَلَى رِوَايَةِ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ «إذَا مُدِحَ الْمُؤْمِنُ فِي وَجْهِهِ رَبَا الْإِسْلَامُ فِي قَلْبِهِ» أَيْ زَادَ إيمَانُهُ لِمَعْرِفَةِ نَفْسِهِ وَإِدْلَالِهِ بِهَا فَالْمُرَادُ الْمُؤْمِنُ الْكَامِلُ الَّذِي عَرَفَ نَفْسَهُ وَأَمِنَ عَلَيْهَا مِنْ نَحْوِ كِبْرٍ وَعُجْبٍ بَلْ يَكُونُ ذَلِكَ سَبَبًا لِزِيَادَتِهِ فِي الْعَمَلِ الصَّالِحِ الْمُؤَدِّي لِزِيَادَةِ إيمَانِهِ وَرُسُوخِ إيقَانِهِ وَأَمَّا مَنْ لَمْ يَكُنْ بِهَذِهِ الصِّفَةِ فَمَدْحُهُ مِنْ أَعْظَمِ الْآفَاتِ كَمَا فِي خَبَرِ «إيَّاكُمْ وَالْمَدْحَ» (تَتِمَّةٌ) الْمُؤْمِنُ إذَا مُدِحَ اسْتَحْيَا مِنْ اللَّهِ أَنْ يُثْنَى عَلَيْهِ بِوَصْفٍ لَا يَشْهَدُهُ فِي نَفْسِهِ وَأَجْهَلُ النَّاسِ مَنْ تَرَكَ يَقِينَ مَا عِنْدَهُ لِظَنِّ مَا عِنْدَ النَّاسِ وَالزُّهَّادُ إذَا مُدِحُوا انْقَبَضُوا لِشُهُودِهِمْ الثَّنَاءَ مِنْ الْخَلْقِ وَالْعَارِفُونَ انْبَسَطُوا لِشُهُودِهِمْ ذَلِكَ مِنْ الْمَلِكِ الْحَقِّ كَذَا فِي الْفَيْضِ (خ م عَنْ أَبِي بَكْرَةَ أَنَّهُ أَثْنَى رَجُلٌ عَلَى رَجُلٍ عِنْدَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «وَيْلَك قَطَعْت عُنُقَ صَاحِبِك» بِنَحْوِ الْكِبْرِ وَالْفَخْرِ وَالْعَجَبِ بِمَدْحِك وَثَنَائِك «ثَلَاثًا» قَالَهُ ثَلَاثًا أَوْ كَرَّرَهُ ثَلَاثًا وَهُوَ مُنْتَهَى التَّأْكِيدِ (ثُمَّ قَالَ مَنْ كَانَ مِنْكُمْ. مَادِحًا أَخَاهُ لَا مَحَالَةَ) أَلْبَتَّةَ (فَلْيَقُلْ أَحْسَبُ) أَيْ أَظُنُّ «فُلَانًا» أَوْ كَذَا فَلَا تَقُلْ فُلَانٌ صَالِحٌ أَلْبَتَّةَ عَلَى سَبِيلِ الْجَزْمِ بَلْ لِيَقُلْ أَحْسَبُ أَوْ أَظُنُّ فُلَانًا صَالِحًا «وَاَللَّهُ حَسِيبُهُ» عَالِمُهُ لِأَنَّهُ الْمُحِيطُ بِحَقِيقَةِ حَالِهِ أَوْ مُجَازِيهِ عَلَى أَعْمَالِهِ

قِيلَ فِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْمَدْحَ مَذْمُومٌ يَنْبَغِي أَنْ يُتْرَكَ مِنْ غَيْرِ دَاعِيَةٍ إلَيْهِ وَمِنْ هَذَا قِيلَ مَنْ مُدِحَ فَقَدْ ذُبِحَ «وَلَا أُزَكِّي عَلَى اللَّهِ أَحَدًا» أَيْ لَا أَقْطَعُ بِتَقْوَى وَلَا أَقُولُ بِزَكَائِهِ عِنْدَ اللَّهِ فَإِنَّ ذَلِكَ غَيْبٌ عَنَّا عَدَّاهُ بِعَلَى لِتَضَمُّنِهِ مَعْنَى الْغَلَبَةِ لِأَنَّ مَنْ جَزَمَ عَلَى تَزْكِيَةِ أَحَدٍ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى فَكَأَنَّهُ غَلَبَ عَلَيْهِ فِي مَعْرِفَتِهِ ثُمَّ أَكَّدَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ «أَحْسَبُ» فُلَانًا «كَذَا» عَالِمًا «وَكَذَا» أَيْ مُتَّقِيًا «إنْ كَانَ يَعْلَمُ» أَيْ يَظُنُّ «ذَلِكَ» أَيْ الْوَصْفَ «مِنْهُ» أَيْ الْمَمْدُوحِ فِيهِ إشَارَةٌ إلَى التَّضْيِيقِ فِي رُخْصَةِ الْمَدْحِ

<<  <  ج: ص:  >  >>