طَاعَةً، فَإِنْ قِيلَ كَيْفَ يَكْفُرُ هَذَا الْبَعْضُ، وَقَدْ قَالُوا وَلَا يَكْفُرُ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْقِبْلَةِ وَهُمْ الَّذِينَ اعْتَقَدُوا بِقَلْبِهِمْ دِينَ الْإِسْلَامِ اعْتِقَادًا جَازِمًا قُلْنَا نَعَمْ لَكِنَّ الْعَلَّامَةَ الْعَضُدَ قَالَ وَلَا يَكْفُرُ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْقِبْلَةِ إلَّا بِمَا فِيهِ نَفْيُ الصَّانِعِ الْقَادِرِ أَوْ بِمَا فِيهِ شِرْكٌ أَوْ إنْكَارُ النُّبُوَّةِ أَوْ إنْكَارُ مَا عُلِمَ مَجِيءُ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِهِ ضَرُورَةً أَوْ إنْكَارُ أَمْرٍ مُجْمَعٍ عَلَيْهِ قَطْعًا أَوْ اسْتِحْلَالُ الْمُحَرَّمَاتِ أَيْ الْمُجْمَعِ حُرْمَتُهَا قَطْعًا.
وَأَمَّا غَيْرُ ذَلِكَ فَالْقَائِلُ بِهِ مُبْتَدِعٌ وَنُقِلَ عَنْ حَاشِيَةِ حَسَنٍ جَلَبِيٍّ عَلَى شَرْحِ الْمَوَاقِفِ عَدَمُ الْإِكْفَارِ إنَّمَا هُوَ فِي الَّذِينَ اتَّفَقُوا عَلَى مَا هِيَ مِنْ ضَرُورِيَّاتِ الْإِسْلَامِ كَحُدُوثِ الْعَالَمِ وَحَشْرِ الْأَجْسَادِ وَنَحْوِهِمَا وَاخْتَلَفُوا فِي أُصُولٍ سِوَاهَا، فَإِنَّهُ لَا يَكْفُرُ الْمُخَالِفُ فِي ذَلِكَ وَإِلَّا فَلَا نِزَاعَ فِي إكْفَارِ مَنْ وَاظَبَ عَلَى الطَّاعَاتِ طُولَ عُمْرِهِ بِاعْتِقَادِ مَا يُوجِبُ الْكُفْرَ كَاعْتِقَادِ قِدَمِ الْعَالَمِ وَنَفْيِ حَشْرِ الْأَجْسَادِ (وَالْخَطَأُ فِي الِاجْتِهَادِ) وَهُوَ اسْتِفْرَاغُ الْفَقِيهِ الْوُسْعَ لِتَحْصِيلِ ظَنٍّ بِحُكْمٍ شَرْعِيٍّ وَهَذَا هُوَ الْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِمْ: إنَّهُ بَذْلُ الْمَجْهُودِ لِنَيْلِ الْمَقْصُودِ (فِيهِ) أَيْ فِي الِاعْتِقَادِ (لَيْسَ بِعُذْرٍ) شَرْعِيٍّ؛ لِأَنَّ الْمُخْطِئَ فِي الْأُصُولِ وَالْعَقَائِدِ يُعَاقَبُ بَلْ يُضَلَّلُ أَوْ يَكْفُرُ لِأَنَّ مُجَرَّدَ الْعَقْلِ كَافٍ فِيهِ دُونَ الْفَرْعِ وَلِأَنَّ الْحَقَّ فِيهِ وَاحِدٌ إجْمَاعًا وَالْمَطْلُوبُ هُوَ الْيَقِينُ الْحَاصِلُ بِالْأَدِلَّةِ الْقَطْعِيَّةِ وَمَا نُقِلَ عَنْ بَعْضِهِمْ مِنْ تَصْوِيبِ كُلِّ مُجْتَهِدٍ فِي الْكَلَامِيَّةِ إذَا لَمْ يُوجِبْ تَكْفِيرَ الْمُخَالِفِ كَمَسْأَلَةِ خَلْقِ الْقُرْآنِ فَمَعْنَاهُ نَفْيُ الْإِثْمِ وَتَحْقِيقُ الْخُرُوجِ عَنْ عُهْدَةِ التَّكْلِيفِ لَا حَقِيقَةُ كُلٍّ مِنْ الْقَوْلَيْنِ كَذَا فِي التَّلْوِيحِ
فَإِنْ قُلْت يُشْعِرُ هَذَا الْقَوْلُ بِجَوَازِ الِاجْتِهَادِ فِي الْعَقَائِدِ، وَالِاعْتِقَادِيَّاتُ إنَّمَا تَكُونُ قَطْعِيَّةً وَحُكْمُ الِاعْتِقَادِ وَأَثَرُهُ إنَّمَا هُوَ ظَنٌّ وَالْمُتَبَادَرُ مِنْ تَفْرِيعِهِ اخْتِصَاصُهُ بِالْفَرْعِيِّ إذْ الْفَقِيهُ مَنْ يَعْرِفُ عِلْمَ الْفِقْهِ وَالْمُتَبَادَرُ مِنْ الشَّرْعِيِّ هُوَ الْفَرْعِيُّ إذْ الِاعْتِقَادِيُّ أَصْلِيٌّ وَعَقْلِيٌّ قُلْنَا قَدْ يُوجَدُ فِي الْكَلَامِيَّةِ مَسَائِلُ ظَنِّيَّةٌ أَيْضًا وَمَسَائِلُ الْكَلَامِ شَرْعِيَّةٌ أَيْضًا لِكَوْنِهِ مِنْ الْعُلُومِ الشَّرْعِيَّةِ وَأَكْثَرُهَا مَأْخُوذَةٌ مِنْ الْأَدِلَّةِ الشَّرْعِيَّةِ فِي أَصْلِهَا ابْتِدَاءً وَجَمِيعُهَا لَازِمٌ تَطْبِيقُهَا عَلَى الْأَدِلَّةِ الشَّرْعِيَّةِ انْتِهَاءً وَإِلَّا لَا تَكُونُ مُعْتَدَّةً بِهَا وَيُمْكِنُ أَنْ يُرَادَ مِنْ الِاجْتِهَادِ مُطْلَقُ الِاسْتِدْلَالِ (بِخِلَافِ الِاجْتِهَادِ فِي الْأَعْمَالِ) ، فَإِنَّ الْمُخْطِئَ فِيهِ مَعْذُورٌ بَلْ مُثَابٌ نِصْفَ الْمُصِيبِ إذْ لَيْسَ عَلَيْهِ إلَّا بَذْلُ الْوُسْعِ، وَقَدْ فَعَلَ، وَإِنْ لَمْ يَنَلْ الْحَقَّ لِخَفَاءِ دَلِيلِهِ لَكِنَّ هَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ طَرِيقُ الْحَقِّ بَيَّنَّا وَإِلَّا فَالْخَطَأُ مِنْ تَقْصِيرِهِ وَتَرْكِ مُبَالَغَةِ اجْتِهَادِهِ فَيُعَاقَبُ (وَضِدُّ هَذِهِ الْبِدْعَةِ) الِاعْتِقَادِيَّةِ (اعْتِقَادُ أَهْلِ السُّنَّةِ) النَّبَوِيَّةِ (وَالْجَمَاعَةِ) الْإِسْلَامِيَّةِ مِنْ الْمَاتُرِيدِيَّةِ وَالْأَشَاعِرَةِ، وَإِنْ كَانَ بَيْنَهُمَا خِلَافٌ كَثِيرٌ إلَى سِتَّةٍ وَخَمْسِينَ عَلَى تَخْرِيجِ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ لَكِنَّ الِاتِّحَادَ أَكْثَرُ أُصُولِهِمَا وَعَدَمُ تَضْلِيلِ كُلٍّ مِنْهُمَا فِي الْآخَرِ لَمْ يَعُدْ كُلٌّ مُقَابِلًا لِلْآخَرِ (وَالْبِدْعَةُ فِي الْعِبَادَةِ) عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ وَالْبِدْعَةُ فِي الِاعْتِقَادِ زِيَادَةً أَوْ نُقْصَانًا (وَإِنْ كَانَتْ دُونَهَا) الِاعْتِقَادِيَّةُ قِيلَ: لِأَنَّهَا تَنْجِيسُ مَوْضِعِ نَظَرِ الْحَقِّ، وَالْعَمَلِيَّةُ تَنْجِيسُ مَنْظَرِ الْخَلْقِ كَمَا وَرَدَ «أَنَّ اللَّهَ لَا يَنْظُرُ إلَى أَجْسَادِكُمْ وَلَا إلَى صُوَرِكُمْ وَلَكِنْ يَنْظُرُ إلَى قُلُوبِكُمْ» (لَكِنَّهَا أَيْضًا مُنْكَرٌ وَضَلَالَةٌ) بَلْ فَوْقَ سَائِرِ الْمَعَاصِي لِاعْتِقَادِ صَاحِبِهَا كَوْنَهَا طَاعَةً (لَا سِيَّمَا إذَا صَادَمَتْ) أَيْ زَاحَمَتْ وَدَافَعَتْ (سُنَّةً مُؤَكَّدَةً) قِيلَ بِأَنْ كَانَ الشُّغْلُ بِهَا مَانِعًا مِنْ السُّنَّةِ وَقِيلَ بِأَنْ لَا يَكُونَ حُصُولُهَا إلَّا بِتَرْكِ السُّنَّةِ كَتَرْكِ تَعْدِيلِ الْأَرْكَانِ عِنْدَ مَنْ يَقُولُ بِسُنِّيَّتِهِ.
قَالَ الْمَوْلَى خَوَاجَهْ زَادَهْ وَأَمَّا عِنْدَ عَدَمِ الْمُصَادَمَةِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute