يَقُولُ بِوَاسِطَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ فَذَكَرَ ثُمَّ عَنْ النَّوَوِيِّ هَذَا مَحْمُولٌ عَلَى مَنْ فَعَلَ الصُّورَةَ لِلتَّعَبُّدِ أَوْ عَلَى مَنْ قَصَدَ بِهِ مُضَاهَاةَ خَلْقِ اللَّهِ تَعَالَى وَاعْتَقَدَ ذَلِكَ وَهُوَ كَافِرٌ يَزِيدُ عَذَابُهُ بِزِيَادَةِ قُبْحِ كُفْرِهِ وَإِلَّا فَمَنْ لَمْ يَقْصِدْ ذَلِكَ فَصَاحِبُ كَبِيرَةٍ كَيْفَ يَكُونُ أَشَدَّ النَّاسِ عَذَابًا أَوْرَدَ عَلَيْهِ عَدَّهُ حِينَئِذٍ مِنْ الْكَبَائِرِ لَيْسَ فِي شَيْءِ مِنْ الْمَشَاهِيرِ بَلْ عَلَى أَيِّ حَالٍ يُحْمَلُ عَلَى الْمُبَالَغَةِ وَالتَّشْدِيدِ فِي الْمَنْعِ أَقُولُ لَا يُقْبَلُ مِثْلُهُ مَا لَمْ يُبَيِّنْ وَجْهَ الْمُبَالَغَةِ لَعَلَّ الْمُرَادَ إمَّا عَلَى اعْتِقَادِ الْحِلِّيَّةِ أَوْ عَلَى الِاسْتِحْقَاقِيَّة (وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - «يُقَالُ لَهُمْ أَحْيُوا مَا خَلَقْتُمْ» تَعْجِيزًا أَوْ سُخْرِيَةً وَقِيلَ فِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ التَّصْوِيرَ أَكْبَرُ مَعْصِيَةً مِنْ قَتْلِ النَّفْسِ عَمْدًا إذْ أُشِيرَ فِي تَهْدِيدِهِ إلَى الْغَايَةِ إذْ الْخُلُودُ عِنْدَ أَهْلِ السُّنَّةِ بِمَعْنَى الْمُكْثِ الطَّوِيلِ وَأَمَّا هُنَا فِيمَا لَا نِهَايَةَ لَهُ لِأَنَّ الْإِحْيَاءَ لَا يُمْكِنُ لَهُمْ أَبَدًا وَيُؤَيِّدُهُ حَدِيثُ الْجَامِعِ «مَنْ مَثَّلَ بِحَيَوَانٍ فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ»
(وَلَمْسُ مَا يَحْرُمُ نَظَرُهُ أَوْ يُكْرَهُ) وَلَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَمَسَّ وَجْهَهَا وَكَفَّهَا وَإِنْ أَمِنَ مِنْ الشَّهْوَةِ لِقِيَامِ الْمُحَرَّمِ وَانْعِدَامِ الضَّرُورَةِ بِخِلَافِ النَّظَرِ لِأَنَّ فِيهِ ضَرُورَةً وَبَلْوَى وَرُوِيَ عَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ مَسَّ كَفَّ امْرَأَةٍ لَيْسَ مِنْهَا بِسَبِيلٍ وُضِعَ عَلَى كَفِّهِ جَمْرَةٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» وَلِأَنَّ اللَّمْسَ أَغْلَظُ مِنْ النَّظَرِ لِأَنَّ الشَّهْوَةَ فِيهِ أَكْثَرُ (مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بِلَا ضَرُورَةٍ) كَمَعْرِفَةِ النَّبْضِ وَالْفَصْدِ وَسَائِرِ الْمُدَاوَاةِ (غَيْرَ أَنَّهُ يَجُوزُ مُصَافَحَةُ الْعَجَائِزِ وَغَمْزُهَا بِرِجْلِهِ إذَا أَمِنَا الشَّهْوَةَ) قِيلَ بِشَرْطِ عَدَمِ الْخَلْوَةِ مَعَهَا بِخِلَافِ الْأَجْنَبِيَّةِ الشَّابَّةِ وَلَوْ مِنْ الْأَقْرِبَاءِ كَبِنْتِ عَمِّهِ وَخَالَتِهِ بِخِلَافِ نَظَرِ كَفَّيْهَا وَرِجْلَيْهَا عِنْدَ أَمْنِ الشَّهْوَةِ
(بِخِلَافِ مُصَافَحَةِ الذِّمِّيِّ فَإِنَّهُ مَكْرُوهٌ) لِأَنَّ الْمُصَافَحَةَ تَحِيَّةٌ وَالذِّمِّيُّ لَا يَسْتَحِقُّهَا وَلِأَنَّهَا سُنَّةٌ لِلثَّوَابِ وَالذِّمِّيُّ لَيْسَ مِنْ أَهْلِهِ كَمَا فِي حَدِيثِ الْجَامِعِ «مَا مِنْ مُسْلِمَيْنِ يَلْتَقِيَانِ فَيَتَصَافَحَانِ ذَكَرَيْنِ أَوْ أُنْثَيَيْنِ إلَّا غُفِرَ لَهُمَا قَبْلَ أَنْ يَتَفَرَّقَا» فَيُسَنُّ ذَلِكَ مُؤَكَّدًا قَالَ النَّوَوِيُّ الْمُصَافَحَةُ سُنَّةٌ مَجْمَعٌ عَلَيْهَا عِنْدَ كُلِّ لِقَاءٍ وَمَا اُعْتِيدَ بَعْدَ الصُّبْحِ وَالْعَصْرِ لَا أَصْلَ لَهُ لَكِنْ لَا بَأْسَ بِهِ وَمَنْ حَرُمَ نَظَرُهُ حَرُمَ مَسُّهُ انْتَهَى، وَأَفْهَمَ اقْتِصَارُهُ عَلَى الْمُصَافَحَةِ أَنَّهُ لَا يَنْحَنِي لِصَاحِبِهِ إذَا لَقِيَهُ وَلَا يَلْتَزِمُهُ وَلَا يُقَبِّلُهُ كَمَا يَفْعَلُهُ النَّاسُ وَقَدْ وَرَدَ النَّهْيُ عَنْ ذَلِكَ صَرِيحًا فَفِي حَدِيثِ التِّرْمِذِيِّ «قَالَ رَجُلٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ الرَّجُلُ مِنَّا يَلْقَى أَخَاهُ أَوْ صَدِيقَهُ أَيَنْحَنِي لَهُ قَالَ لَا قَالَ أَفَيَلْتَزِمُهُ وَيُقَبِّلُهُ قَالَ لَا قَالَ فَيَأْخُذُ بِيَدِهِ وَيُصَافِحُهُ قَالَ نَعَمْ» كَذَا فِي الْفَيْضِ وَرُوِيَ أَيْضًا «مَنْ صَافَحَ أَخَاهُ الْمُسْلِمَ وَحَرَّكَ يَدَهُ تَنَاثَرَتْ ذُنُوبُهُ» وَرُوِيَ أَيْضًا «إذَا الْتَقَى الْمُؤْمِنَانِ فَتَصَافَحَا تَنَاثَرَتْ ذُنُوبُهُمَا كَمَا يَتَنَاثَرُ الْوَرَقُ الْيَابِسُ مِنْ الشَّجَرِ» وَفِي الْجَامِعِ أَيْضًا «إذَا الْتَقَى الْمُسْلِمَانِ فَسَلَّمَ أَحَدُهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ» أَيْ مُشَارَكَةً فِي الدِّينِ كَانَ أَحَبُّهُمَا إلَى اللَّهِ أَحْسَنَهُمَا بِشْرًا وَطَلَاقَةَ وَجْهٍ وَفَرَحٍ وَتَبَسُّمٍ وَحُسْنِ إقْبَالٍ لِصَاحِبِهِ لِأَنَّ الْمُؤْمِنَ عَلَيْهِ سِمَةُ الْإِيمَانِ وَبَهَاءُ الْإِسْلَامِ وَجَمَالُهُ فَأَحْسَنُهُمَا بِشْرًا أَفْهَمُهُمَا لِذَلِكَ وَأَعْقَلُهُمَا عِنْدَ اللَّهِ أَعْقَلُهُمَا لِمَا مَنَّ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ عَلَيْهِمَا فَإِذَا تَصَافَحَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْهِمَا مِائَةَ رَحْمَةٍ لِلْبَادِئِ بِالسَّلَامِ تِسْعُونَ وَلِلْمُصَافِحِ عَشْرَةٌ لِأَنَّ الْمُصَافَحَةَ كَالْبَيْعَةِ لِأَنَّ مِنْ شَرْطِ الْإِيمَانِ الْأُخُوَّةُ وَالْوَلَايَةُ - {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} [الحجرات: ١٠]- {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} [التوبة: ٧١]- فَإِذَا لَقِيَهُ فَصَافَحَهُ فَكَأَنَّهُ بَايَعَهُ عَلَى هَاتَيْنِ الْخَصْلَتَيْنِ فَفِي كُلِّ مَرَّةٍ يُجَدِّدُ بَيْعَةً فَيُجَدِّدُ اللَّهُ تَعَالَى ثَوَابَهَا كَمَا يُجَدِّدُ ثَوَابَ الْمُصِيبَةِ بِالِاسْتِرْعَاءِ وَكَمَا يُجَدِّدُ لِلْحَامِدِ عَلَى النِّعْمَةِ ثَوَابًا عَلَى شُكْرِهَا فَإِذَا فَارَقَهُ بَعْدَ مُصَافَحَتِهِ لَمْ يَخْلُ فِي أَثْنَاءِ ذَلِكَ مِنْ خَلَلٍ فَتُجَدَّدُ عِنْدَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute