الحاصلة في القلب على قسمين: ما يوطّن الإنسان نفسه عليه ويعزم على إدخاله في الوجود، وما لا يكون كذلك بل تكون أمورا خاطرة بالبال مع أن الإنسان يكرهها ولكنه لا يمكنه دفعها عن النفس. فالقسم الأول يكون مؤاخذا به، والثاني لا يكون مؤاخذا به فَيَغْفِرُ بفضله لِمَنْ يَشاءُ مغفرته وَيُعَذِّبُ بعدله مَنْ يَشاءُ تعذيبه وقد يغفر لمن يشاء الذنب العظيم، وقد يعذب من يشاء على الذنب الحقير. لا يسأل عما يفعل.
قرأ عاصم وابن عامر «فيغفر» ، «ويعذب» بالرفع. والباقون بالجزم. وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ من المغفرة والعذاب قَدِيرٌ (٢٨٤) آمَنَ الرَّسُولُ أي صدق محمد صلّى الله عليه وسلّم بِما أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ أي من القرآن.
قال الزجاج: لما ذكر الله تعالى في هذه السورة فرض الصلاة والزكاة والصوم والحج، وذكر الطلاق والإيلاء والحيض والجهاد، وقصص الأنبياء، ختم السورة بذكر تصديق نبيه صلّى الله عليه وسلّم والمؤمنين بجميع ذلك، انتهى. وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ أي كل واحد منهم آمَنَ بِاللَّهِ أي بوجوده وبصفاته وبأفعاله وبأحكامه وبأسمائه وَمَلائِكَتِهِ أي بوجودها وبأنهم معصومون مطهرون يخافون ربهم من فوقهم وأنهم وسائط بين الله وبين البشر. وأن كتب الله المنزّلة إنما وصلت إلى الأنبياء بواسطة الملائكة وَكُتُبِهِ. وقرأ حمزة والكسائي بكسر الكاف وفتح التاء مع المد بأن يعلم أن هذه الكتب وحي من الله تعالى إلى رسله، وأنها ليست من باب الكهانة ولا من باب السحر ولا من باب إلقاء الشياطين والأرواح الخبيثة وبأن يعلم أن الوحي بهذه الكتب، فالله تعالى لم يمكن أحدا من الشياطين من إلقاء شيء من ضلالاتهم في أثناء هذا الوحي الظاهر. وبأن يعلم أن هذا القرآن لم يغيّر ولم يحرّف، فمن قال: إن ترتيب القرآن على هذا الوجه شيء فعله عثمان رضي الله عنه فقد أخرج القرآن عن كونه حجة وهو قول فاسد. وبأن يعلم أن القرآن مشتمل على المحكم والمتشابه وأن محكمه يكشف عن متشابهه وَرُسُلِهِ بأن يعلم كونهم معصومين من الذنوب. وبأن يعلم أن النبي أفضل ممن ليس بنبي وأن الرسل أفضل من الملائكة. وأن يعلم أن بعضهم أفضل من البعض لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ أي يقول المؤمنون لا نكفر بأحد من رسله بل نؤمن بصحة رسالة كل واحد منهم وَقالُوا أيضا سَمِعْنا قول ربنا وَأَطَعْنا أمر ربنا غُفْرانَكَ أي نسألك غفرانك من ذنوبنا رَبَّنا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ (٢٨٥) أي المرجع بعد الموت لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً من الطاعة إِلَّا وُسْعَها أي طاقتها لَها ما كَسَبَتْ أي ثوابه من الخير وَعَلَيْها مَا اكْتَسَبَتْ أي وزره من الشرفان.
قلنا: إن هذا من كلام المؤمنين فوجه النظم إنهم لما قالوا: سمعنا وأطعنا فكأنهم قالوا:
كيف لا نسمع ولا نطيع، وإنه تعالى لا يكلفنا إلا ما في وسعنا وطاقتنا! فإذا كان هو تعالى بحكم