للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لطلب الدنيا والرياء والسمعة فَآتَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا بمحمد مِنْهُمْ أي الرهبان أَجْرَهُمْ وهم الذين لم يخالفوا دين عيسى ابن مريم، وهم أربعة وعشرون رجلا في أهل اليمن، جاءوا إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم وآمنوا به، ودخلوا في دينه أي لما بعث النبي صلّى الله عليه وسلّم ولم يبق من الرهبان إلا قليل، انحط رجل من صومعته وجاء سائح من سياحته، وصاحب دير من ديره، فآمنوا به صلّى الله عليه وسلّم وصدقوه، وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ ي من الرهبان فاسِقُونَ (٢٧) أي تاركون تلك الطريقة ظاهرا وباطنا، وهم الذين خالفوا دين عيسى، فقال الله تعالى في حق قوم عيسى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا بعيسى وبالرسل المتقدمة، اتَّقُوا اللَّهَ فيما نهاكم عنه وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ محمد عليه الصلاة والسلام يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ، أي نصيبين مِنْ رَحْمَتِهِ لإيمانكم أولا: بعيسى عليه السلام، وثانيا: بمحمد صلّى الله عليه وسلّم، ولا يبعد أن يثابوا على دينهم السابق، وإن كان منسوخا ببركة الإسلام وَيَجْعَلْ لَكُمْ يوم القيامة نُوراً تَمْشُونَ بِهِ على الصراط وبين الناس وَيَغْفِرْ لَكُمْ ما أسلفتم من الكفر والمعاصي، وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٢٨) أي مبالغ في المغفرة والرحمة، لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتابِ أَلَّا يَقْدِرُونَ عَلى شَيْءٍ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَأَنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ، لأنه قادر مختار يفعل بحسب الاختيار، و «لا» زائدة كما يدل عليه قراءة «ليعلم» و «لكي يعلم» ، و «لأن يعلم» . وقوله تعالى: وَأَنَّ الْفَضْلَ عطف على أَلَّا يَقْدِرُونَ، والمعنى: إنما بالغنا في هذا البيان وأطنبنا في الوعد والوعيد، ليعلم أهل الكتاب أنهم لا يقدرون على تخصيص فضل الله بقوم معينين، ولا يمكنهم حصر الرسالة والنبوة في قوم مخصوصين، وأن الفضل في تصرف الله تعالى يعطيه من يشاء، ولا اعتراض عليه في ذلك أصلا. والمقصود من هذه الآية أن يزيل الله عن قلوب بني إسرائيل اعتقادهم بأن النبوة مختصة بهم، وغير حاصلة إلّا في قومهم وقيل: إن لفظة «لا» غير زائدة والضمير في قوله تعالى: أَلَّا يَقْدِرُونَ عائد إلى الرسول وأصحابه: وقوله تعالى: وَأَنَّ الْفَضْلَ ألخ عطف على «أن لا يعلم» . والمعنى: أنا فعلنا ذلك لئلا يعتقد أهل الكتاب وهم بنو إسرائيل أنه لا يقدر النبي والمؤمنون به على شيء من فضل الله الذي هو سعادة الدارين، وليعتقدوا أن الفضل في ملكه تعالى على أن عدم علمهم بعدم قدرتهم على ذلك، كناية عن علمهم بقدرتهم عليه، فإنهم إذا لم يعلموا أنهم لا يقدرون عليه فقد علموا أنهم يقدرون عليه، وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (٢٩) فإن العظيم لا بد وأن يكون إحسانه عظيما.

<<  <  ج: ص:  >  >>