للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الطاعات محصورة في أمرين: التعظيم لأمر الله، والشفقة على خلق الله. فالوفاء بالعهد مشتمل عليهما معا لأن ذلك سبب لمنفعة الخلق فهو شفقة على خلق الله وذلك أمر الله. فالوفاء بالعهد تعظيم لأمر الوفاء كما يكون في حق الغير يكون في حق النفس، فالوافي بعهد النفس هو الآتي بالطاعات والتارك للمحرمات. إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ أي من جميع ما أمر الله به ومما يلزم الشخص نفسه وَأَيْمانِهِمْ وهي الحلف التي يؤكد بها الإنسان خبره من وعد أو وعيد أو إنكار أو إثبات ثَمَناً قَلِيلًا من الدنيا أُولئِكَ الموصوفون بتلك الصفات القبيحة لا خَلاقَ أي لا نصيب لَهُمْ فِي خير الْآخِرَةِ ونعيمها وَلا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ أي يشتد غضب الله عليهم وَلا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ بالإحسان والرحمة يَوْمَ الْقِيامَةِ وَلا يُزَكِّيهِمْ أي لا يطهرهم من دنس ذنوبهم بالمغفرة وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (٧٧) أي وجيع يخلص وجعه إلى قلوبهم. نزلت هذه الآية في حق عبدان بن الأشوع، وامرئ القيس اختصما إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في أرض فتوجهت اليمين على امرئ القيس فقال: أنظرني إلى الغد. ثم جاء في الغد وأقر له بالأرض.

وقيل: نزلت في شأن الأشعث بن قيس كان بينه وبين رجل خصومة في أرض وبئر اختصما إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال للرجل: «أقم بيّنتك» . فقال: ليس لي بيّنة، فقال للأشعث: «فعليك باليمين» «١» . فهمّ الأشعث باليمين. فأنزل الله تعالى هذه الآية فنكل الأشعث عن اليمين ورد الأرض إلى الخصم، واعترف بالحق وهذا قول ابن جريج

. وقيل: نزلت في شأن كعب بن الأشرف ويحيى بن أخطب، وأبي رافع ولبابة بن أبي الحقيق بدلوا نعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في التوراة وأخذوا الرشوة على ذلك وحلفوا بأنه من عند الله لئلا يفوتهم الرشا- كما قاله عكرمة- أو كتبوا بأيديهم كتابا في ادعائهم أنه ليس علينا في الأميين سبيل وحلفوا أنه من عند الله- كما قاله الحسن- وهذه الآية دلت على أنها نزلت في أقوام حلفوا بالأيمان الكاذبة فتحمل على جميع الروايات. وَإِنَّ مِنْهُمْ أي من اليهود لَفَرِيقاً يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالْكِتابِ أي طائفة يحرّفون اللفظة الدالة على نبوة محمد صلّى الله عليه وسلّم من التوراة- حركات الإعراب- تحريفا يتغير به المعنى. وهم كعب بن الأشرف ومالك بن الصيف وحيي بن أخطب، وأبو ياسر وشعبة بن عمير لِتَحْسَبُوهُ.

وقرئ شاذة بالياء مِنَ الْكِتابِ أي لكي يظن السفلة أو المسلمون أن المحرف من التوراة وَما هُوَ مِنَ الْكِتابِ أي والحال أن المحرف ليس من التوراة في نفس الأمر وفي اعتقادهم وَيَقُولُونَ هُوَ أي المحرف مِنْ عِنْدِ اللَّهِ أي موجود في كتب سائر الأنبياء مثل شعياء وأرخياء وحيفوف وَما هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ فالأغمار الجاهلون بالتوراة نسبوا ذلك المحرف إلى أنه من التوراة، والأذكياء زعموا أنه موجود في كتب سائر الأنبياء الذين جاءوا بعد موسى


(١) رواه الطبري في التفسير (٣: ٢٣٠) . [.....]

<<  <  ج: ص:  >  >>