عليهم السلام. وعلم من هذا التفسير المغايرة بين اللفظين فإنه ليس كل ما لم يكن في الكتاب لم يكن من عند الله فإن الحكم الشرعي قد ثبت تارة بالكتاب وتارة بالسنة، وتارة بالإجماع، وتارة بالقياس والكل من عند الله وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (٧٨) أي يتعمدون ذلك الكذب مع العلم. وعن ابن عباس رضي الله عنهما هم اليهود الذين قدموا على كعب بن الأشرف وغيّروا التوراة، وكتبوا كتابا بدّلوا فيه صفة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ثم أخذت قريظة ما كتبوا فخلطوه بالكتاب الذي عندهم. ما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِباداً لِي مِنْ دُونِ اللَّهِ أي ما أمكن وما صح لأحد من الأنبياء كعيسى ومحمد أن يعطيه الله الكتاب أي التوراة أو القرآن والفهم لذلك الكتاب والنبوة، ثم يقول ذلك البشر المشرف بالصفات الثلاثة للناس كونوا عبادا كائنين لي متجاوزين الله إشراكا أو إفرادا. قال مقاتل والضحاك: نزلت هذه الآية في شأن نصارى نجران حيث يقولون: إن عيسى عليه السلام أمرنا أن نتخذه ربا.
وقال ابن عباس: لما قالت اليهود: عزير ابن الله. وقالت النصارى: المسيح ابن الله نزلت هذه الآية. وقال أيضا- في مقالتهم-: نحن على دين إبراهيم وأمرنا هو بهذا الدين. وقال ابن عباس وعطاء: إن أبا رافع القرظي من اليهود ورئيس وفد نجران من النصارى قالا لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم: أتريد أن نعبدك ونتّخذك ربا؟ فقال صلّى الله عليه وسلّم:«معاذ الله أن نعبد غير الله أو أن نأمر بغير عبادة الله فما بذلك بعثني الله ولا بذلك أمرني»«١» . فنزلت هذه الآية.
وقيل: قال رجل يا رسول الله: نسلم عليك كما يسلم بعضنا على بعض أفلا نسجد لك؟ فقال صلّى الله عليه وسلّم:«لا ينبغي لأحد أن يسجد لأحد دون الله ولكن أكرموا نبيكم واعرفوا الحق لأهله» . فنزلت هذه الآية
وَلكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ أي ولكن يقول ذلك البشر الذي رفعه الله إلى أعلا المراتب كونوا علماء عاملين بِما كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتابَ.
قرأ عبد الله ابن كثير وأبو عمرو ونافع بفتح التاء وسكون العين. والباقون بضم التاء وفتح العين وكسر اللام مشددة. أي تعلمون الناس من الكتاب وَبِما كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ (٧٩) أي وبسبب كونكم تقرؤون من الكتاب وَلا يَأْمُرَكُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا الْمَلائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْباباً.
قرأ عاصم وحمزة وابن عامر «يأمركم» بفتح الراء، والفاعل ضمير يعود على البشر و «لا» مزيدة لتأكيد معنى النفي، أي ما كان لبشر أن يجعله الله نبيا، ثم يأمر الناس بعبادة نفسه أو باتخاذ الملائكة والنبيين أربابا. وقرأ الباقون برفع الراء على سبيل الاستئناف، كما يدل على ذلك ما روي عن ابن مسعود أنه قرأ:«ولن يأمركم» والفاعل حينئذ ضمير يعود على «الله» - كما قاله
(١) رواه الزبيدي في إتحاف السادة المتقين (٧: ١٩٣) .