ذلك حرام في دين إبراهيم؟ فأجاب النبيّ صلّى الله عليه وسلّم بأن قال:«إن ذلك كان حلالا لإبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب عليهم السلام إلا أن يعقوب حرّمه على نفسه بسبب من الأسباب وبقيت تلك الحرمة في أولاده»
. أي فالحرمة عليهم ناشئة من نذره أيضا. فأنكر اليهود ذلك فأمرهم الرسول عليه السلام بإحضار التوراة وباستخراج آية منها تدل على أن لحوم الإبل وألبانها كانت محرمة على إبراهيم عليه السلام، فعجزوا عن ذلك، فظهر أنهم كانوا كاذبين في ادعاء حرمة هذه الأشياء على إبراهيم عليه السلام كما قال تعالى: قُلْ فَأْتُوا بِالتَّوْراةِ فَاتْلُوها إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (٩٣) في دعواكم بأن التحريم قديم. قال تعالى: فَمَنِ افْتَرى
أي اختلق عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ
بادعاء أنه تعالى حرم ذلك قبل نزول التوراة على بني إسرائيل وعلى من قبلهم من الأمم مِنْ بَعْدِ ذلِكَ
أي من بعد ظهور الحجة بأن التحريم إنما كان من جهة يعقوب لا على عهد إبراهيم فَأُولئِكَ
المصرون على الافتراء بعد ما ظهرت حقيقة الحال هُمُ الظَّالِمُونَ
(٩٤) المستحقون لعذاب الله قُلْ صَدَقَ اللَّهُ في أن سائر الأطعمة كانت محللة لبني إسرائيل وأنها إنما حرمت على اليهود جزاء على قبائح أفعالهم فَاتَّبِعُوا مِلَّةَ إِبْراهِيمَ أي ملة الإسلام التي هي الأصل ملة إبراهيم لأنها ملة محمد صلّى الله عليه وسلّم حَنِيفاً أي مائلا عن الأديان الزائغة كلها وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (٩٥) في أمر من أمور دينه فإنه لم يدع مع الله إلها آخر ولم يعبد سواه كما فعله العرب من عبادة الأوثان، أو كما فعله اليهود في ادعاء أن عزيرا ابن الله. وكما فعله النصارى في ادعاء أن المسيح ابن الله. ولما حوّل صلّى الله عليه وسلّم القبلة إلى الكعبة طعن اليهود في نبوته وقالوا: إن بيت المقدس أفضل من الكعبة وأحق بالاستقبال، لأنه وضع قبل الكعبة وتحويل القبلة منه إلى الكعبة باطل. فأجاب الله تعالى عن ذلك بقوله: إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ أي إن أول بيت بني لعبادات الناس للبيت الذي هو ببكة، سميت مكة بكة لأنه يبك بعضهم بعضا، أي يزدحمون في الطواف.
روي أنه صلّى الله عليه وسلّم سئل عن أول بيت وضع للناس فقال:«المسجد الحرام ثم بيت المقدس» وسئل كم بينهما فقال: «أربعون سنة»
«١» . أي أن آدم بنى الكعبة ثم بنى الأقصى وبين بنائهما أربعون سنة. مُبارَكاً أي ذا بركة مما يجلب المغفرة والرحمة وَهُدىً لِلْعالَمِينَ (٩٦) أي قبلة لكل نبي ورسول، وصدّيق ومؤمن يهتدون بذلك البيت إلى جهة صلاتهم وذلك لأن تكليف الصلاة كان لازما في دين جميع الأنبياء عليهم السلام بدليل قوله تعالى: أُولئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ مِنْ ذُرِّيَّةِ آدَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنا مَعَ نُوحٍ وَمِنْ ذُرِّيَّةِ إِبْراهِيمَ وَإِسْرائِيلَ وَمِمَّنْ هَدَيْنا وَاجْتَبَيْنا إِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُ الرَّحْمنِ خَرُّوا سُجَّداً وَبُكِيًّا [مريم: ٥٨] . فدلت الآية على أن جميع الأنبياء عليهم السلام كانوا يسجدون لله والسجدة لا بدّ لها من قبلة فلو كانت قبلة شيث وإدريس