للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ونوح عليهم السلام موضعا آخر سوى الكعبة لبطل قوله تعالى: إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ فوجب أن يقال: إن قبلة أولئك الأنبياء المتقدمين هي الكعبة فدل هذا على أن هذه الجهة كانت أبدا مشرفة ومكرمة فِيهِ آياتٌ بَيِّناتٌ أي علامات واضحة كانحراف الطيور عن موازاة البيت فلا تعلو فوقه بل إذا قابل هواه وهو في الجو انحرف عنه يمينا أو شمالا، ولا يستطيع أن يقطع هواه إلا إذا حصل له مرض فيدخل هواه للتداوي ومخالطة ضواري السباع الصيود في الحرم من غير تعرض لها وإهلاك أصحاب الفيل لما قصدوا تخريبه مَقامُ إِبْراهِيمَ وفيه دلالة على قدرة الله تعالى ونبوة إبراهيم لأن تأثير قدميه في الصخرة الصمّاء وعوضهما فيها إلى الكعبين وإلانة بعض الصخرة دون بعض وإبقاءه ألوف السنين معجزة عظيمة وَمَنْ دَخَلَهُ أي الحرم كانَ آمِناً أي إن من دخله للنسك تقربا إلى الله تعالى كان آمنا من النار يوم القيامة وأن الله أودع في قلوب الخلق الشفقة على كل من التجأ إليه وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ أي قصده للزيارة على وجه مخصوص مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ أي حج البيت سَبِيلًا أي بلاغا بوجود الزاد والراحلة والنفقة للعيال إلى الرجوع وَمَنْ كَفَرَ أي جحد فرض الحج فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعالَمِينَ (٩٧) أي عن إيمانهم وحجهم.

قال الضحاك: لما نزلت آية الحج جمع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أهل الأديان الستة المسلمين والنصارى واليهود والصابئين والمجوس والمشركين فخطبهم، وقال: «إن الله تعالى كتب عليكم الحج فحجوا» «١» . فآمن به المسلمون وكفرت به الملل الخمس، وقالوا: لا نؤمن به ولا نصلي إليه ولا نحجه فأنزل الله تعالى قوله

: وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعالَمِينَ أي ومن ترك اعتقاد وجوب الحج فإن الله غني عنه قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ أي اليهود والنصارى لِمَ تَكْفُرُونَ بِآياتِ اللَّهِ وَاللَّهُ شَهِيدٌ عَلى ما تَعْمَلُونَ (٩٨) أي لم تكفرون بآيات الله دلتكم على صدق محمد صلّى الله عليه وسلّم فيما يدعيه من وجوب الحج وغيره، والحال أن الله شهيد على أعمالكم ومجازيكم عليها، وهذه الحال توجب أن لا تجترئوا على الكفر بآياته. قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ لِمَ تَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ مَنْ آمَنَ أي لم تصرفون عن دينه الحق الموصل إلى السعادة الأبدية وهو ملة الإسلام. من آمن بالله وبمحمد وبالقرآن بإضلالكم لصفة المسلمين تَبْغُونَها عِوَجاً أي تطلبون للسبيل زيفا لأنكم قلتم النسخ يدل على البدء. وقولكم: ورد في التوراة إن شريعة موسى باقية إلى الأبد وَأَنْتُمْ شُهَداءُ أن في التوراة أن دين الله هو الإسلام لا يقبل غيره وَمَا اللَّهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (٩٩) فإنهم كانوا يظهرون الكفر بنبوة محمد صلّى الله عليه وسلّم وما كانوا يظهرون إلقاء الشبه في قلوب المسلمين بل كانوا يحتالون في


(١) رواه أحمد في (م ١/ ص ٣٧١) ، والهيثمي في مجمع الزوائد (٣: ٢٠٤) ، وابن حجر في الكاف والشاف في تخريج أحاديث الكشاف (٢٩: ٥٩٠) .

<<  <  ج: ص:  >  >>