فإنهم كانوا يتزوجون من النساء ما شاؤوا تسعا أو عشرا، وكان تحت قيس بن الحرث ثمان نسوة فحرم الله عليهم ما فوق الأربع. أي وإن خفتم ألا تعدلوا في حق اليتامى إذا تزوجتم بهن بإساءة العشرة أو بنقص الصداق فأنكحوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ أي فتزوجوا من استطابتها نفوسكم ومالت إليها قلوبكم من الأجنبيات مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ ولا تزيدوا على أربع فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا بين هذه الأعداد في القسمة والنفقة كما لم تعدلوا فيما فوق هذه الأعداد وكما لم تعدلوا في حق اليتامى فَواحِدَةً أي فالزموا أو فاختاروا واحدة وذروا الجمع.
وقرئ «فواحدة» بالرفع أي فكفت واحدة أو فحسبكم واحدة أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ أي من السراري فإنه لا قسمة لهن عليكم ذلِكَ أَدْنى أَلَّا تَعُولُوا (٣) أي اختيار الحرة الواحدة أو التسري أقرب إلى أن لا تميلوا ميلا محظورا بالنسبة إلى ما عداهما والأمر يدور مع عدم الجور لا مع تحقق العدل. وَآتُوا النِّساءَ اللاتي أمرتم بنكاحهن صَدُقاتِهِنَّ أي مهورهن نِحْلَةً أي فريضة من الله تعالى كما قاله ابن عباس وقتادة وابن جريج وابن زيد، وإنما فسروا النحلة بالفريضة لأن النحلة في اللغة معناها الديانة والملة والشرعة والمذهب فقوله تعالى: وَآتُوا النِّساءَ صَدُقاتِهِنَّ نِحْلَةً أي أعطوهن مهورهن لأنها شريعة ودين ومذهب وما هو كذلك فهو فريضة وانتصاب نحلة على أنها مفعول له أو حال من الصدقات. فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْساً أي فإن وهبن لكم شيئا من الصداق بطيبة نفس من غير أن يكون السبب فيه شكاسة أخلاقكم معهن أو سوء معاشرتكم معهن فَكُلُوهُ أي فخذوا ذلك الشيء وتصرفوا فيه هَنِيئاً أي حلالا بلا إثم مَرِيئاً (٤) أي بلا ملامة وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه كتب إلى قضاته أن النساء يعطين رغبة ورهبة فأيما امرأة أعطته ثم أرادت أن ترجع فذلك لها وَلا تُؤْتُوا السُّفَهاءَ أَمْوالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِياماً أي ويا أيها الأولياء لا تؤتوا المبذرين من اليتامى الذين يكونون تحت ولايتكم أموالهم التي في أيديكم التي جعل الله الأموال معاشكم أي لا يحصل معاشكم إلا بهذا المال مخافة أن يضيعوها وأضاف الله المال إلى الأولياء من حيث إنهم ملكوا التصرف فيه لا لأنهم ملكوا المال، ويكفي حسن الإضافة أدنى سبب وَارْزُقُوهُمْ فِيها أي أنفقوا عليهم وَاكْسُوهُمْ وإنما قال الله فيها ولم يقل منها لئلا يكون ذلك أمرا بجعل بعض أموالهم رزقا لهم بل أمرهم بأن يجعلوا أموالهم مكانا لرزقهم وكسوتهم بأن يتجروا فيها ويثمروها فيجعلوا أرزاقهم من الأرباح لا من أصول المال وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفاً (٥) أي جميلا وهو كل ما سكنت إليه النفس من قول لحسنه شرعا أو عقلا كأن يقول الولي للصبي: مالك عندي وأنا خازن له فإذا رشدت سلمت إليك أموالك وَابْتَلُوا الْيَتامى أي واختبروا من لا يتبين منهم السفه قبل البلوغ في دينهم وتصرفهم في أموالهم بما يليق بحالهم بأن تجربوا ولد التاجر بالبيع والشراء، والمماسكة فيهما، وولد الزراع بالزراعة والنفقة على القوام بها، والأنثى فيما يتعلق بالغزل والقطن وصون الأطعمة عن الهرة ونحوها. وحفظ متاع البيت وولد الأمير ونحوه بالإنفاق مدة في خبز وماء ولحم ونحوها.