قال أبو حنيفة رضي الله عنه: تصرفات الصبي العاقل المميز بإذن الولي صحيحة لأن قوله تعالى: وَابْتَلُوا الْيَتامى أمر للأولياء بأن يأذنوا لهم في البيع والشراء قبل البلوغ وذلك يقتضي صحة تصرفاتهم. وقال الشافعي ولا يصح عقد الصبي المميز بل يمتحن في المماسكة، فإذا أراد العقد عقد الولي لأنه لا يجوز دفع المال إليه حال الصغر فثبت عدم جواز تصرفه حال الصغر حَتَّى إِذا بَلَغُوا النِّكاحَ أي إذا بلغوا مبلغ الرجل الذي يلزمه الحدود. وذلك بأن يحتلموا وإنما سمي الاحتلام ببلوغ النكاح لأنه إنزال الماء الدافق الذي يكون في الجماع فَإِنْ آنَسْتُمْ أي عرفتم مِنْهُمْ رُشْداً أي اهتداء إلى وجوه التصرفات من غير تبذير وعجز عن خديعة الغير فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُمْ التي عندكم من غير تأخر عن حد البلوغ.
وقرئ «رشدا» بفتحتين و «رشدا» بضمتين. وعند الشافعي الصلاح يعتبر مع مصلح للمال في الدين بأن لا يرتكب كبيرة ولا يصر على صغيرة وعند أبي حنيفة هو غير
معتبر وفائدة هذا الخلاف أن الشافعي يرى الحجر على الفاسق وأبا حنيفة لا يراه وَلا تَأْكُلُوها أي أموال اليتامى أيها الأولياء إِسْرافاً وَبِداراً أي مسرفين بغير حق ومبادرين إلى إنفاقها أَنْ يَكْبَرُوا أي مخافة كبرهم فيمنعوكم عن ذلك وتقولون: ننفق كما نشتهي قبل أن يكبر اليتامى فينزعوها من أيدينا.
وَمَنْ كانَ من الأولياء والأوصياء غَنِيًّا عن مال اليتيم فَلْيَسْتَعْفِفْ أي فليتنزه عن أكلها وليقنع بما آتاه الله تعالى من الرزق إشفاقا على اليتيم وإبقاء على ماله وَمَنْ كانَ من الأولياء والأوصياء فَقِيراً محتاجا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ أي بقدر أجرة خدمته لليتيم وعمله في مال اليتيم. ويقال: فليأكل بالمعروف أي بالقرض ثم إذا أيسر قضاه وإن مات ولم يقدر على القضاء فلا شيء عليه. وهذا قول سعيد بن جبير ومجاهد وأبي العالية وهذا القرض في أصول الأموال أما نحو ألبان المواشي واستخدام العبيد وركوب الدواب فمباح لنحو الوصي إذا كان غير مضر بالمال وهذا قول أبي العالية وغيره. فَإِذا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أي اليتامى أَمْوالَهُمْ بعد البلوغ والرشد فَأَشْهِدُوا ندبا عَلَيْهِمْ عند الدفع فإن الإشهاد أبعد من الخصومة ولو ادّعى الوصي بعد بلوغ اليتيم أنه قد دفع المال إليه. أو قال: أنفقت عليه في صغره فقال مالك والشافعي: لا يصدق.
وقال أبو حنيفة: يصدق مع اليمين. وقال الشافعي: القيم غير مؤتمن من جهة اليتيم وإنما هو مؤمن من جهة الشرع وَكَفى بِاللَّهِ حَسِيباً (٦) أي شهيدا.
روي أن رفاعة مات وترك ابنه ثابتا وهو صغير فجاء عمه إلى النبيّ صلّى الله عليه وسلّم: وقال ابن أخي يتيم في حجري فما يحل لي من ماله ومتى أدفع إليه ماله؟ فأنزل الله قوله تعالى: وَابْتَلُوا الْيَتامى إلى هنا. لِلرِّجالِ نَصِيبٌ أي للأولاد والأقرباء الذكور صغارا أو كبارا حظ. مِمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَالْأَقْرَبُونَ المتوارثون منهم وَلِلنِّساءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَالْأَقْرَبُونَ أي المتوفون مِمَّا قَلَّ