للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قيل: وهذا متصل بقوله تعالى: وَما لَكُمْ لا تُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ [النساء: ٧٥] . وقيل:

هذا معطوف على قوله تعالى: فَقاتِلُوا أَوْلِياءَ الشَّيْطانِ [النساء: ٧٦] . لا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ أي إلا فعل نفسك فلا يضرك مخالفتهم فتقدم أنت إلى الجهاد وإن لم يساعدك أحد فإن الله ناصرك.

واعلم أن الجهاد في حق غير الرسول من فروض الكفايات فما لم يغلب على الظن أنه يفيد لم يجب بخلاف الرسول صلّى الله عليه وسلّم فإنه على ثقة من النصر والظفر. وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ أي على الخروج معك بذلا للنصيحة فإنهم آثمون بالتخلف لأن القتال كان مفروضا عليهم إذ ذاك، فإن فرضه في السنة الثانية وهذه القضية في الرابعة،

كما روي أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم واعد أبا سفيان بعد حرب أحد موسم بدر الصغرى في ذي القعدة فلما بلغ الميعاد دعا الناس إلى الخروج فكرهه بعضهم. فنزلت هذه الآية عَسَى اللَّهُ أَنْ يَكُفَّ بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُوا أي أن يمنع صولة كفار مكة، وعسى وعد من الله تعالى واجب الإنجاز وَاللَّهُ أَشَدُّ بَأْساً أي قوة من قريش وَأَشَدُّ تَنْكِيلًا (٨٤) أي تعذيبا مَنْ يَشْفَعْ شَفاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْها أي من ثوابها ويندرج فيها الدعاء للمسلم فإنه شفاعة إلى الله تعالى وَمَنْ يَشْفَعْ شَفاعَةً سَيِّئَةً يَكُنْ لَهُ كِفْلٌ مِنْها أي نصيب من وزرها مساو لها في المقدار. والغرض من هذه الآية بيان أنه صلّى الله عليه وسلّم لما حرضهم على الجهاد فقد استحق بذلك التحريض أجرا عظيما. ولو لم يقبلوا أمره صلّى الله عليه وسلّم لم يرجع إليه من عصيانهم شيء من الوزر، وذلك لأنه صلّى الله عليه وسلّم بذل الجهد في ترغيبهم في الطاعة ولم يرغبهم في المعصية ألبتة فحقا يرجع إليه من طاعتهم أجر ولا يرجع إليه من معصيتهم وزر وَكانَ اللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ مُقِيتاً (٨٥) أي قادرا على إيصال الجزاء إلى الشافع مثل ما يوصله إلى المشفوع فيه وحافظا للأشياء شاهدا عليها فهو عالم بأن الشافع يشفع في حق أو في باطل فيجازي كلا بما علم منه وَإِذا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْها أَوْ رُدُّوها أي إذا سلم عليكم فردوا على المسلم ردا أحسن من ابتدائه أو أجيبوا التحية بمثلها ومنتهى الأمر في السلام أن يقال: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، بدليل أن هذا القدر هو الوارد في التشهد فالأحسن هو أن المسلم إذا قال: السلام عليك زيد في جوابه الرحمة، وإن ذكر السلام والرحمة في الابتداء زيد في جوابه البركة، وإن ذكر الثلاثة في الابتداء أعيدت في الجواب، ورد الجواب واجب على الفور وهو فرض على الكفاية إذا قام به البعض سقط عن الباقين والأولى للكل أن يذكروا الجواب إظهارا للإكرام ومبالغة فيه وترك الجواب إهانة، والإهانة ضرر، والضرر حرام. وإذا استقبلك واحد فقل: سلام عليكم واقصد الرجل والملكين فإنك إذا سلمت عليهما ردا السلام عليك ومن سلم الملك عليه فقد سلم من عذاب الله.

وعن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «إذا سلم عليكم أهل الكتاب فقولوا وعليكم»

«١» .

وروي أنه صلّى الله عليه وسلّم قال: «لا تبدأ


(١) رواه البخاري في كتاب الاستئذان، باب: كيف يردّ على أهل الذمّة بالسلام، ومسلم في

<<  <  ج: ص:  >  >>