المعتبر خمس فراسخ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا أي إن خفتم أن يتعرضوا لكم بما تكرهونه من القتال وغيره. وقال ابن عباس: أي إن علمتم أن يقتلوكم في الصلاة. وهذا الشرط بيان للواقع إذ ذاك، وهو أن غالب أسفار نبينا صلّى الله عليه وسلّم وأصحابه لم تخل من خوف العدو لكثرة المشركين، وأهل الحرب إذ ذاك فحينئذ لا يشترط الخوف بل للمسافر القصر مع الأمن لما في الصحيحين أنه صلّى الله عليه وسلّم سافر بين مكة والمدينة، لا يخاف إلا الله عزّ وجلّ فكان يصلي ركعتين.
قال يعلى بن أمية: قلت لعمر: إنما قال الله تعالى: إِنْ خِفْتُمْ وقد أمن الناس. قال عمر: قد عجبت مما عجبت منه فسألت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: «صدقة تصدق الله بها عليكم فاقبلوا صدقته»«١» رواه مسلم
. إِنَّ الْكافِرِينَ كانُوا لَكُمْ عَدُوًّا مُبِيناً (١٠١) أي إن العداوة الحاصلة بينكم وبين الكافرين قديمة، والآن قد أظهرتم خلافهم في الدين، وازدادت عداوتهم بسبب شدة العداوة وقصدوا إتلافكم إن قدروا، فإن طالت صلاتكم فربما وجدوا الفرصة في قتلكم فعلى هذا رخصت لكم في قصر الصلاة.
وَإِذا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ فَلْتَقُمْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ أي إذا كنت يا أشرف الخلق مع المؤمنين في خوفهم فأردت أن تقيم بهم الصلاة فاجعلهم طائفتين، فلتقم منهم طائفة معك فصل بهم ولتقف الطائفة الأخرى بإزاء العدو ليحرسوكم منهم وَلْيَأْخُذُوا أي الطائفة الذين يصلون معك أَسْلِحَتَهُمْ من التي لا تشغلهم عن الصلاة كالسيف والخنجر فإن ذلك أقرب إلى الاحتياط وأمنع للعدو من الإقدام عليهم فَإِذا سَجَدُوا أي القائمون معك وأتموا صلاتهم بعد نية المفارقة فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرائِكُمْ أي فلينصرفوا من ورائكم إلى مصاف أصحابهم بإزاء العدو للحراسة، ثم يبقى الإمام قائما في الركعة الثانية وَلْتَأْتِ طائِفَةٌ أُخْرى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ في الركعة الثانية ثم يجلس الإمام في التشهد إلى أن يصلوا ركعة ثانية، ثم يسلم الإمام بهم وهذا قول سهل بن أبي حثمة ومذهب الشافعي. وَلْيَأْخُذُوا أي هذه الطائفة حِذْرَهُمْ من العدو وَأَسْلِحَتَهُمْ معهم وإنما ذكر الحذر هنا لأن العدو لم يتنبه للمسلمين في أول الصلاة بل يظنون كونهم قائمين لأجل المحاربة فإذ قاموا في الركعة الثانية ظهر للكفار كونهم في الصلاة فحينئذ ينتهزون الفرصة في الهجوم عليهم. فخص الله تعالى هذا الوضع بزيادة الحذر من الكفار وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُمْ مَيْلَةً واحِدَةً أي تمنوا نسيانكم عن الأسلحة وما تستمتع بها في الحرب إذا قمتم إلى الصلاة فينالوا منكم غرة وينتهزوا فرصة فيشدوا عليكم واحدة في الصلاة وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ إِنْ كانَ بِكُمْ أَذىً مِنْ مَطَرٍ أَوْ كُنْتُمْ مَرْضى أَنْ تَضَعُوا أَسْلِحَتَكُمْ أي لا وزر عليكم في وضع الأسلحة إن تعذر حملها إما لثقلها بسبب مطر أو مرض أو لإيذاء من في الجنب. وَخُذُوا حِذْرَكُمْ أي احترزوا من العدو ما استطعتم لئلا يهجموا
(١) رواه أبو داود في كتاب الصلاة، باب: صلاة المسافر، ومسلم في كتاب الصلاة، باب: ١.