عليكم. وهذه الآية تدل على وجوب الحذر عن جميع المضار المظنونة، وبهذا الطريق كان الإقدام على العلاج بالدواء والاحتراز عن الوباء وعن الجلوس تحت الجدار المائل واجبا والله أعلم. إِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْكافِرِينَ عَذاباً مُهِيناً (١٠٢) في الدنيا بأن يخذلهم وينصركم عليهم فاهتموا بأموركم ولا تهملوا في مباشرة الأسباب كي يحل بهم عذابه تعالى بأيديكم بالقتل والأسر والنهب فَإِذا قَضَيْتُمُ الصَّلاةَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِياماً وَقُعُوداً وَعَلى جُنُوبِكُمْ فَإِذَا اطْمَأْنَنْتُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ أي فإذا فرغتم من صلاة الخوف فداوموا على ذكر الله في جميع الأحوال حتى في حال المسايفة والقتال، فإن ما أنتم عليه من الخوف والحذر مع العدو جدير بالمواظبة على ذكر الله والتضرع إليه، فإذا سكنت قلوبكم من الخوف فأدوا الصلاة التي دخل وقتها حينئذ على الحالة التي كنتم تعرفونها ولا تغيروا شيئا من أحوالها وهيئاتها.
وقيل: معنى الآية فإذا أردتم الصلاة فصلوا قياما حال اشتغالكم بالمسايفة والمقارعة، وقعودا جاثين على الركب حال اشتغالكم بالمراماة، وعلى جنوبكم حال ما تكثر الجراحات فيكم فتسقطون على الأرض، فإذا زال الخوف عنكم بانقضاء الحرب فأفضوا ما صليتم في تلك الأحوال. وهذا ظاهر على مذهب الشافعي من إيجاب الصلاة على المحارب في حال المسايفة إذا حضر وقتها وإذا اطمأنوا فعليهم القضاء.
وقال ابن عباس: أي فإذا فرغتم من صلاة الخوف فصلوا لله قياما للصحيح وقعودا للمريض وعلى الجنوب للجريح والمريض فإذا ذهب منكم الخوف ورجعتم إلى منازلكم فأتموا الصلاة أربعا إِنَّ الصَّلاةَ كانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتاباً مَوْقُوتاً (١٠٣) أي فرضا موقتا وَلا تَهِنُوا فِي ابْتِغاءِ الْقَوْمِ أي لا تعجزوا ولا تتوانوا في طلب الكفار بالقتال. نزلت هذه الآية في شأن بدر الصغرى وذلك لما بعث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم طائفة في طلب أبي سفيان وأصحابه فشكوا الجراحات حين رجعوا من أحد إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَما تَأْلَمُونَ أي إن كنتم تتوجعون بالجراح فإنهم يتوجعون بالجراح. فحصول الألم قدر مشترك بينكم وبينهم، فلم يصر خوف الألم مانعا عن قتالكم فكيف صار مانعا لكم عن قتالهم وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ ما لا يَرْجُونَ أي وأنتم ترجون من الله ثوابه وتخافون عذبه لأنكم تعبدون الله تعالى، والمشركون يعبدون الأصنام فلا يصح منهم أن يرجوا منها ثوابا أو يخافوا منها عقابا فيجب أن تكونوا أرغب منهم في الحرب وأصبر عليها.
وقرأ الأعرج «أن تكونوا» بفتح الهمزة أي لأن تكونوا. وَكانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً (١٠٤) أي لا يكلفكم شيئا إلا بما هو عالم بأنه سبب لصلاحكم في دينكم ودنياكم إِنَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ أي بين طعمة وزيد بن سمين بِما أَراكَ اللَّهُ أي بما علمك الله في القرآن. وسمي العلم الذي بمعنى الاعتقاد بالرؤية لأن العلم اليقيني المبرأ عن الريب يكون جاريا