للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

جسده وما يؤذيه»

«١» .

وعن أبي هريرة قال: لما نزلت هذه الآية بكينا وحزنا وقلنا: يا رسول الله ما أبقت هذه الآية لنا شيئا، فقال صلّى الله عليه وسلّم: «أبشروا فإنه لا يصيب أحدا منكم مصيبة في الدنيا إلّا جعلها الله له كفارة، حتى الشوكة التي تقع في قدمه»

«٢» . وَلا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أي مجاوزا عن حفظ الله ونصرته وَلِيًّا أي حافظا يحفظه وَلا نَصِيراً (١٢٣) ينصره فشفاعة الأنبياء والملائكة في حق العصاة إنما تكون بإذن الله تعالى وإذا كان الأمر كذلك فلا ولي لأحد ولا نصير لأحد إلّا الله تعالى وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحاتِ أي من يعمل بعض الصالحات كائنا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلا يُظْلَمُونَ نَقِيراً (١٢٤) أي ولا ينقصون قدر منبت النواة من ثواب أعمالهم فإذا لم ينقص الله الثواب فجدير أن لا يزيد في العقاب.

وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وشعبة عن عاصم يدخلون الجنة بالبناء للمفعول وكذلك في سورة «مريم» وفي «حم المؤمن» .

قال مسروق: لما نزل قوله تعالى: مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ. وقال أهل الكتاب للمسلمين: نحن وأنتم سواء. فنزلت هذه الآية وَمَنْ أَحْسَنُ دِيناً مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ أي لا أحد أحسن دينا ممن عرف ربه بقلبه، وأقر بربوبيته وبعبودية نفسه وَهُوَ مُحْسِنٌ أي والحال أنه آت بالحسنات تارك للسيئات وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً حال للمتبوع أو للتابع وإنما دعا سيدنا محمد صلّى الله عليه وسلّم الخلق إلى دين إبراهيم لأنه اشتهر عند كل الخلق أن إبراهيم ما كان يدعو إلّا إلى الله تعالى وشرعه مقبول عند الكل، لأن العرب لا يفتخرون بشيء كافتخارهم بالانتساب إلى إبراهيم. وأما اليهود والنصارى فلا شك في كونهم مفتخرين به وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْراهِيمَ خَلِيلًا (١٢٥) .

روي أن إبراهيم عليه الصلاة والسلام كان يسمى أبا الضيفان، وكان منزله على ظهر الطريق، يضيف من مر به من الناس. فأصحاب الناس أزمة فاجتمعوا في بابه فحشروا إلى بابه يطلبون الطعام، وكانت الميرة له كل سنة من صديق له بمصر، فبعث غلمانه بالإبل إلى الخليل الذي بمصر، فقال خليله لغلمانه: لو كان إبراهيم يطلب الميرة لنفسه لفعلت ولكن يريدها للأضياف وقد أصابنا ما أصاب الناس من الشدة، فرجع غلمانه فمروا ببطحاء أي بأرض ذات حصى فملأوا منها الغرائر حياء من الناس حيث كانت إبلهم فارغة وجاءوا بها إلى منزل إبراهيم وألقوها فيه وتفرقوا وأخبره أحدهم بالقصة، فاغتم لذلك غما شديدا، فغلبته عيناه، وعمدت سارة إلى الغرائر ففتحتها فإذا فيها أجود حوّارى بضم الحاء المهملة وتشديد الواو وفتح الراء،


(١) رواه أحمد في (م ٦/ ص ٦٦) .
(٢) رواه الحميدي في المسند (١١٤٨) .

<<  <  ج: ص:  >  >>