وهو الدقيق الذي نخل مرة بعد أخرى. فأمرت الخبازين فخبروا فأطعمت الناس فاستيقظ إبراهيم فوجد رائحة الخبز، فقال: من أين هذا لكم؟ فقالت سارة: من خليلك المصري. فقال بل من عند خليلي الله عز وجل فسماه الله تعالى خليلا. وقال شهر بن حوشب: هبط مالك في صورة رجل وذكر اسم الله بصوت رخيم شجي فقال إبراهيم عليه السلام: اذكره مرة أخرى، فقال لا أذكره مجانا، فقال: لك مالي كله فذكره الملك بصوت أشجى من الأول. فقال: اذكره مرة ثالثة ولك أولادي. فقال الملك: أبشر فإني ملك لا أحتاج إلى مالك وولدك وإنما كان المقصود امتحانك، فلما بذل المال والأولاد على سماع ذكر الله فحقا اتخذه الله خليلا وَلِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ يختار منهما ما يشاء لمن يشاء وَكانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ من أهل السموات والأرض مُحِيطاً (١٢٦) بالقدرة والعلم وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّساءِ أي يسألك يا أشرف الخلق جماعة من الصحابة عن أحوال كثيرة مما يتعلق بحق النساء فالذي بين الله حكمه فيما سبق في أول هذه السورة أحال بيان الحكم في ذلك، والذي لم يبين حكمه بين هنا وذلك قوله تعالى: قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَما يُتْلى عَلَيْكُمْ أي قل يا أشرف الخلق لهم الله تعالى قد بيّن لكم أحوال النساء والمتلو فِي الْكِتابِ في أول هذه السورة قد بيّن لكم فِي يَتامَى النِّساءِ أي في شأنهن ف «ما» معطوف على المبتدأ وهذا متعلق ب «يتلى» وذلك المتلو في الكتاب هو قوله تعالى: وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتامى [النساء: ٣] اللَّاتِي لا تُؤْتُونَهُنَّ ما كُتِبَ لَهُنَّ أي اللاتي لا تعطونهن ما وجب لهن من الميراث أو الصداق وذلك لأنهم يورثون الرجال دون النساء والكبار دون الصغار وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ وهذا يحتمل الرغبة والنفرة فإن حمل على الرغبة كان المعنى، وترغبون عن أن تنكحوهن لما لهن وجمالهن بأقل من صداقهن، وإن حمل على النفرة كان المعنى: وترغبون في أن تنكحوهن لدمامتهن وتمسكوهن رغبة في مالهن. وهذه الجملة معطوف على الصلة عطف المثبتة على المنفية ويجوز أن تكون حالا من فاعل تؤتونهن والتأويل وأنتم ترغبون وهذا إذا أريد بقوله تعالى: ما كُتِبَ لَهُنَّ صداقهن.
روى مسلم عن عائشة قالت: هذه اليتيمة تكون في حجر وليها فيرغب في جمالها ومالها ويريد أن ينكحها وينقص صداقها عن عادة نسائها فنهوا عن نكاحهن إلّا أن يقسطوا لهن في إكمال الصداق وأمروا بنكاح من سواهن. قالت عائشة: فاستفتى الناس رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فأنزل الله تعالى:
وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّساءِ إلى قوله تعالى: وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ فبين الله لهم أن اليتيمة إذا كانت ذات جمال ومال رغبوا في نكاحها ولم يلحقوها بعادتها في إكمال الصداق وإذا كانت مرغوبا عنها في قلة المال والجمال تركوها والتمسوا غيرها، قال الله تعالى: فكما يتركونها حين يرغبون عنها فليس لهم أن ينكحوها إذا رغبوا فيها إلا أن يعطوها حقها إلّا وفي من الصداق ويقسطوا لها وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْوِلْدانِ معطوف على يتامى النساء وقد كانوا في الجاهلية لا يورثون الأطفال ولا النساء الذين تلي في حقهم قوله تعالى: يوصيكم الله في أولادكم.