للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَنْ يَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ فَكَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ

أي كونوا مواظبين على طاعة الله ولا تخافوا أحدا في إقامة طاعات الله تعالى وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (١١) وسبب نزول هذه الآية وجهان: الأول: أنها نزلت في واقعة عامة وذلك أن المشركين في أول الأمر- وهو في ضعف المسلمين- يريدون إيقاع البلاء والقتل والنهب بالمسلمين والله تعالى كان يمنعهم عن مطلوبهم إلى أن قوي الإسلام وعظمت شوكة المسلمين.

الثاني: أنها نزلت في واقعة خاصة. وفي هذا ثلاثة أوجه:

الأول: أنها نزلت في شأن يهود من بني قريظة أو بني النضير، وذلك أن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وأبا بكر وعمر وعثمان وعليا دخلوا عليهم وقد كانوا عاهدوا النبي على ترك القتال وعلى أن يعينوه في الديات فطلب منهم مالا قرضا لدية رجلين مسلمين أو معاهدين قتلهما عمرو بن أمية الضمري خطأ يحسبهما مشركين أو حربيين، فقالوا: اجلس حتى نطعمك ونعطيك ما تريد، ثم همّوا بالفتك برسول الله وبأصحابه فجاء عمرو بن جحاش برحى عظيمة ليطرحها عليه صلّى الله عليه وسلّم بموافقتهم، فأمسك الله تعالى يده، فنزل جبريل عليه صلّى الله عليه وسلّم وأخبره بذلك فقام في الحال مع أصحابه وخرجوا إلى المدينة.

والثاني:

عن قتادة أنها نزلت في قوم من العرب وهم بنو ثعلبة وبنو محارب أرادوا الفتك به صلّى الله عليه وسلّم وهو في غزوته فأرسلوا له أعرابيا ليقتله ببطن نخل، وذلك أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم نزل منزلا وتفرق أصحابه عنه يستظلون في شجر العضاه وعلق رسول الله صلّى الله عليه وسلّم سيفه بشجرة، فجاء أعرابي وسلّ سيف رسول الله ثم أقبل عليه وقال: يا محمد من يمنعك مني؟ قال صلّى الله عليه وسلّم: «الله» قالها ثلاثا فأسقطه جبريل من يده فأخذه النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وقال: «من يمنعك مني؟» «١» فقال: لا أحد ثم صاح رسول الله بأصحابه فأخبرهم ولم يعاقبه.

وفي رواية أن الأعرابي قال: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله، وعلى هذين القولين، فالمراد من قوله تعالى: اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ. تذكير نعمة الله عليهم بدفع الشر عن نبيهم فإنه لو حصل ذلك لكان من أعظم المحن.

والثالث: أنها نزلت في شأن المشركين أنهم رأوا رسول الله وأصحابه بعسفان في غزوة ذي أنمار، وهي غزوة ذات الرقاع وهي السابعة من مغازيه صلّى الله عليه وسلّم، وذلك أن المسلمين قاموا إلى صلاة الظهر بالجماعة فلما صلوا ندم المشركون في عدم إكبابهم عليهم وقالوا: ليتنا أوقعنا بهم في أثناء صلاتهم. فقيل لهم: إن للمسلمين بعد هذه الصلاة صلاة هي أحب إليهم من أبنائهم وآبائهم.

فهموا بأن يوقعوا بهم إذا قاموا إلى صلاة العصر فرد الله تعالى كيدهم بأن أنزل جبريل بصلاة


(١) رواه أحمد في (م ٣/ ص ٣٦٥) .

<<  <  ج: ص:  >  >>