الخوف وَلَقَدْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثاقَ بَنِي إِسْرائِيلَ أي إقرارهم أن لا يعبدوا إلا الله ولا يشركوا به شيئا وَبَعَثْنا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيباً وهو المسند إليه أمور القوم وتدبير مصالحهم.
روي أن بني إسرائيل لما استقروا بمصر بعد هلاك فرعون أمرهم الله تعالى بالسير إلى أريحاء أرض الشام وقد سكنها الجبابرة الكنعانيون وقال لهم:«إني كتبتها لكم دارا فاخرجوا إليها وجاهدوا من فيها وإني ناصركم» . وكان بنو إسرائيل اثني عشر سبطا فاختار الله تعالى من كل سبط رجلا يكون نقيبا لهم وحاكما فيهم والنقباء الاثنا عشر كما قال ابن إسحاق هم شموع وشوقط، وكالب، وبعورك، ويوشع، ويعلى، وكرابيل، وكدي، وعمابيل، وستور، ويحيى، وآل. ثم إن هؤلاء النقباء بعثوا إلى مدينة الجبارين الذين أمر موسى عليه السلام بالقتال معهم ليقفوا على أحوالهم ويرجعوا بذلك إلى نبيهم موسى عليه السلام، فلما ذهبوا إليهم رأوا أجراما عظيمة وقوة وشوكة فهابوهم ورجعوا، فحدّثوا قومهم وقد نهاهم موسى عليه السلام أن يحدثوهم فنكثوا الميثاق إلا كالب ويوشع وهما اللذان قال الله تعالى في حقهما: قالَ رَجُلانِ مِنَ الَّذِينَ يَخافُونَ [المائدة: ٢٣] الآية وَقالَ اللَّهُ لهؤلاء النقباء إِنِّي مَعَكُمْ بالعلم والقدرة فأسمع كلامكم وأرى أفعالكم وأعلم ضمائركم وأقدر على إيصال الجزاء إليكم لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلاةَ أي التي فرضت عليكم وَآتَيْتُمُ الزَّكاةَ أي زكاة أموالكم وَآمَنْتُمْ بِرُسُلِي أي بجميعهم وَعَزَّرْتُمُوهُمْ أي نصرتموهم بالسيف على الأعداء وَأَقْرَضْتُمُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً أي صادقا من قلوبكم. والمراد بهذا الإقراض: الصدقات المندوبة، وخصها بالذكر تنبيها على شرفها وعلو مرتبتها. لَأُكَفِّرَنَّ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ وهذا إشارة إلى إزالة العقاب وَلَأُدْخِلَنَّكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ وهذا إشارة إلى إيصال الثواب فَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذلِكَ أي بعد أخذ الميثاق مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَواءَ السَّبِيلِ (١٢) أي أخطأ الطريق المستقيم الذي هو الدين الذي شرعه الله تعالى لهم فَبِما نَقْضِهِمْ مِيثاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ أي بسبب نقضهم ميثاقهم بتكذيب الرسل وقتل الأنبياء وكتمان صفة محمد صلّى الله عليه وسلّم لعناهم أخرجناهم من رحمتنا وَجَعَلْنا قُلُوبَهُمْ قاسِيَةً أي منصرفة عن الانقياد للدلائل.
وقرأ حمزة والكسائي قسية بغير ألف بعد القاف وتشديد الياء أي رديئة يابسة بلا نور يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَواضِعِهِ يغيرون نعت محمد صلّى الله عليه وسلّم وحكم الرجم بعد بيانه أي في التوراة وَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ أي تركوا بعضا مما أمروا به في كتابهم وهو الإيمان بمحمد صلّى الله عليه وسلّم وَلا تَزالُ يا أشرف الخلق تَطَّلِعُ عَلى خائِنَةٍ مِنْهُمْ أي تظهر على خيانة صادرة من بني قريظة إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ وهم الذين آمنوا كعبد الله بن سلام وأصحابه أو الذين بقوا على الكفر لكنهم بقوا على العهد ولم يخونوا فيه فَاعْفُ عَنْهُمْ أي لا تعاقبهم وَاصْفَحْ أي أعرض عن صغائر زلاتهم ما داموا باقين على العهد إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (١٣) إلى الناس.