قال ابن عباس: إذا عفوت فأنت محسن، وإذا كنت محسنا فقد أحبك الله وَمِنَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّا نَصارى أَخَذْنا مِيثاقَهُمْ في الإنجيل باتباع محمد وبيان صفته وأن لا يعبدوا إلا الله ولا يشركوا به شيئا، كما أخذنا الميثاق على بني إسرائيل اليهود فَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ أي اتركوا نصيبا عظيما مما أمروا به في الإنجيل من الإيمان ونقضوا الميثاق فَأَغْرَيْنا بَيْنَهُمُ الْعَداوَةَ وَالْبَغْضاءَ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ أي ألصقنا بين نصارى أهل نجران العداوة بالقتل والبغضاء في القلب بعد أن جعلناهم فرقا أربعة: نسطورية، والملكانية، واليعقوبية، والمرقوسية، فإن بعضهم يكفر بعضا إلى يوم القيامة وَسَوْفَ يُنَبِّئُهُمُ اللَّهُ أي يخبرهم في الآخرة بِما كانُوا يَصْنَعُونَ (١٤) من المخالفة والخيانة والكتمان فيجازيهم عليه يا أَهْلَ الْكِتابِ أي يا معشر اليهود والنصارى قَدْ جاءَكُمْ رَسُولُنا محمد أفضل الخلق يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيراً مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتابِ أي تكتمون من التوراة والإنجيل كنعت محمد وآية الرجم في التوراة وبشارة عيسى بأحمد في الإنجيل وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ أي لا يظهر كثيرا مما تكتمونه إذا لم تدع حاجة دينية إلى إظهاره قَدْ جاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ أي رسول وهو محمد صلّى الله عليه وسلّم وَكِتابٌ مُبِينٌ (١٥) وهو القرآن لما فيه من إبانة ما خفي على الناس من الحق يَهْدِي بِهِ أي بذلك الكتاب اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوانَهُ وهو من كان مطلوبه من طلب الدين اتباع الدين الذي يرتضيه الله تعالى سُبُلَ السَّلامِ أي إلى طرق السلامة من العذاب وهو دين الإسلام، وهذا منصوب بنزع الخافض لأن «يهدي» يتعدى إلى الثاني ب «إلى» أو ب «اللام» . وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ أي ظلمات فنون الكفر إِلَى النُّورِ أي نور الإيمان بِإِذْنِهِ أي بتوفيقه والباء تتعلق باتبع ولا يجوز أن تتعلق بيهدي ولا بيخرج إذ لا معنى لها حينئذ، فدلت الآية على أنه لا يتبع رضوان الله إلا من أراد الله منه ذلك وَيَهْدِيهِمْ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (١٦) أي يثبتهم على ذلك الدين بعد إجابة دعوة الرسول لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قالُوا وهم نصارى نجران إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ وهذه المقالة لليعقوبية فإنهم قالوا:
إن الله قد يحل في بدن إنسان معين أو في روحه. وقيل: لم يصرح به أحد منهم ولكن مذهبهم يؤدي إليه حيث اعتقدوا اتصاف عيسى بصفاته الخاصة أي بأنه يخلق ويحيي ويميت ويدبر أمر العالم. قُلْ لهم يا أكرم الخلق: فَمَنْ يَمْلِكُ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً أي فمن الذي يقدر على دفع شيء من أفعال الله تعالى ومنع شيء من مراده إِنْ أَرادَ أَنْ يُهْلِكَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً أي إن عيسى مماثل لمن في الأرض في الصورة والخلقة والجسمية والتركيب وتغيير الصفات والأحوال، فلما سلمتم كونه تعالى خالقا للكل مدبرا للكل وجب أن يكون أيضا خالقا لعيسى وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما يَخْلُقُ ما يَشاءُ فتارة يخلق من غير أصل كخلق السموات والأرض، وتارة أخرى يخلق من أصل كخلق ما بينهما فينشئ من أصل ليس من جنسه كخلق آدم وكثير من الحيوانات ومن أصل من جنسه إما من ذكر وحده كخلق