عينهما للوصاية، ولما خاناه في مال الورثة صح أن يقال: إن الورثة قد استحق عليهم الأوليان أي خان في مالهم الأوليان بالوصية فَيُقْسِمانِ أي هذان الآخران بِاللَّهِ
بقولهما لَشَهادَتُنا أَحَقُّ مِنْ شَهادَتِهِما أي والله ليمين المسلمين أصدق وأحق بالقبول من يمين النصرانيين وَمَا اعْتَدَيْنا أي ما تجاوزنا الحق فيما ادعينا وفي طلب المال وفي نسبتهما إلى الخيانة إِنَّا إِذاً لَمِنَ الظَّالِمِينَ (١٠٧) أي إنا إن اعتدينا في ذلك كنا من الظالمين أنفسهم بإقبالها لسخط الله تعالى وعذابه واتفق المفسرون على أن سبب نزول هذه الآيات أن تميم بن أوس الداري وعدي بن نداء وكانا نصرانيين ومعهما بديل بن أبي مارية مولى عمرو بن العاص، وكان مسلما مهاجرا خرجوا إلى الشام للتجارة، فلما قدموا الشام مرض بديل فكتب كتابا فيه نسخة جميع ما معه، وألقاه فيما بين الأقمشة ولم يخبر صاحبيه بذلك. ثم أوصى إليهما وأمرهما أن يدفعا متاعه إلى أهله ومات بديل، فأخذا من متاعه إناء من فضة فيه ثلاثمائة مثقال منقوشا بالذهب، ولما رجعا دفعا باقي المتاع إلى أهله ففتشوا فوجدوا الصحيفة وفيها ذكر الإناء. فقالوا لتميم وعدي: أين الإناء؟
فقالا: لا ندري والذي دفع إلينا دفعناه إليكم فرفعوا الواقعة إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فأنزل الله تعالى:
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا الآية. ولما نزلت هذه الآية صلّى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم العصر ودعا تميما وعديا فاستحلفهما عند المنبر ولما حلفا خلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم سبيلهما، ولما طالت المدة أظهرا الإناء فبلغ ذلك بني سهم فطالبوهما فقالا: كنا قد اشتريناه منه. فقالوا: ألم نقل لكم هل باع صاحبنا شيئا فقلتما لا!؟ فقالا: لم يكن عندنا بينة فكرهنا أن نقر لكم فكتمنا لذلك فرفعوا القصة إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فأنزل الله تعالى قوله: فَإِنْ عُثِرَ الآية فقام عمرو بن العاص والمطلب أبو رفيعة السهميان فحلفا بالله بعد العصر، فدفع الرسول صلّى الله عليه وسلّم الإناء إليهما وإلى أولياء الميت وكان تميم الداري يقول بعد إسلامه: صدق الله ورسوله أنا أخذت الإناء فأتوب إلى الله تعالى ذلِكَ أَدْنى أَنْ يَأْتُوا بِالشَّهادَةِ عَلى وَجْهِها أي ذلك الطريق الذي بيناه أقرب إلى أن يؤدي الشهود الشهادة على طريقها الذي تحملوها عليه من غير تحريف ولا خيانة خوفا من العذاب الأخروي أَوْ يَخافُوا أَنْ تُرَدَّ أَيْمانٌ بَعْدَ أَيْمانِهِمْ أي أو أقرب إلى أن يخافوا أن ترد أيمانهم بعد أيمان المدعيين لانقلاب الدعوى بأن صار المدعى عليه مدعيا للملك، وصار المدعى مدّعى عليه فلذا لزمته اليمين.
والمعنى أولم يخافوا عذاب الآخرة بسبب اليمين الكاذبة؟ بل يأتوا الشهادة على غير وجهها ولكنهم يخافون الافتضاح على رؤوس الإشهاد بإبطال أيمانهم والعمل بأيمان الورثة، فينزجروا عن الخيانة المؤدية إليه فأي الخوفين وقع، حصل المقصود الذي هو الإتيان بالشهادة على وجهها وَاتَّقُوا اللَّهَ في أن تخونوا في الأمانات وَاسْمَعُوا مواعظ الله أي اعملوا بها وأطيعوا الله فيها وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ (١٠٨) أي الخارجين عن الطاعة إلى ما ينفعهم في الآخرة يَوْمَ يَجْمَعُ اللَّهُ الرُّسُلَ وهو يوم القيامة فيوم بدل اشتمال من مفعول «اتقوا» أو ظرف ل «يهدي» .