للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بالميل إلى إتيان اقتراحاتهم من الجاهلين بعدم تعلق مشيئته تعالى بإيمانهم لعدم توجههم إليه لخروج الإيمان عن الحكمة المؤسسة على الاختيار. أو المعنى ولا تجزع على إعراضهم عنك ولا يشتد تحزنك على تكذيبهم بك فإن فعلت ذلك فتقارب حالك من حال الجاهلين الذين لا صبر لهم إِنَّما يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ أي إنما يقبل دعوتك إلى الإيمان الذين يسمعون ما يلقى إليهم سماع تفهم، وإنما يطيعك من يعقلون الموعظة دون الموتى الذين هؤلاء منهم. وَالْمَوْتى يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ ثُمَّ إِلَيْهِ يُرْجَعُونَ (٣٦) أي والموتى يبعثهم الله بعد الموت ثم يوقفون بين يديه للحساب والجزاء. فالله تعالى هو القادر على إحياء قلوب هؤلاء الكفار بحياة الإيمان وأنت لا تقدر عليه وَقالُوا أي كفار مكة الحرث بن عامر وأصحابه وأبو جهل بن هشام والوليد بن المغيرة وأمية وأبي ابنا خلف والنضر بن الحرث لَوْلا نُزِّلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ أي هلا أنزل على محمد من ربه معجزة دالة على نبوته مثل فلق البحر وإظلال الجبل وإحياء الموتى، وإنزال الملائكة وإسقاط السماء كسفا. قُلْ لهم يا أكرم الرسل: إِنَّ اللَّهَ قادِرٌ عَلى أَنْ يُنَزِّلَ آيَةً أي أن يوجد خوارق للعادة كما طلبوا وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ (٣٧) أي لا يدرون أن في تنزيلها قلعا لأساس التكليف المبني على قاعدة الاختيار، وأن الله تعالى لو أعطاهم ما طلبوه من المعجزات القاهرة فإن لم يؤمنوا عند ظهورها لاستحقوا عذاب الاستئصال ولم يبق لهم عذر ولا علة كما هو سنة الله فاقتضت رحمة الله صونهم عن هذا البلاء فما أعطاهم هذا المطلوب رحمة منه تعالى عليهم وإن كانوا لا يعلمون كيفية هذه الرحمة. وَما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا طائِرٍ يَطِيرُ بِجَناحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثالُكُمْ أي وما من دابة تمشي في الأرض أو تسبح في الماء ولا طائر من الطيور يطير في ناحية من نواحي الجو إلا طوائف أمثالكم في ابتغاء الرزق وتوقي المهالك، وفي أنها تعرف ربها وتوحده وفي أنها يفهم بعضها عن بعض، وفي أنها تبعث بعد الموت للحساب.

روي عن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم أنه قال: «من قتل عصفورا عبثا جاء يوم القيامة يعج إلى الله يقول: يا رب إن هذا قتلني عبثا لم ينتفع بي ولم يدعني آكل من خشاش الأرض»

«١»

وروي عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أنه قال: «يقتص للجماء من القرناء»

«٢» . والمقصود من هذه الآية الدلالة على كمال قدرته تعالى وشمول علمه وسعة تدبيره ليكون كالدليل على أنه تعالى قادر على أن ينزل آية ما فَرَّطْنا فِي الْكِتابِ مِنْ شَيْءٍ أي ما تركنا في القرآن شيئا من الأشياء المهمة أي أن القرآن واف ببيان جميع الأحكام فليس لله على الخلق بعد ذلك تكليف آخر وأن القرآن دل على أن الإجماع وخبر الواحد والقياس


(١) رواه النسائي في كتاب الضحايا، باب: من قتل عصفورا بغير حقها، والدارمي في كتاب الأضاحي، باب: من قتل شيئا من الدواب عبثا، وأحمد في (م ٢/ ص ١٦٦) .
(٢) رواه أحمد في (م ٢/ ص ٢٣٥) .

<<  <  ج: ص:  >  >>