الأصل، وهذا الاستفهام معناه الإنكار بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ (٨١) أي مجاوزين الحلال إلى الحرام، وأنتم قوم عادتكم الزيادة في كل عمل وَما كانَ جَوابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قالُوا أي ما كان جوابا من جهة قومه شيء من الأشياء في المرة الأخيرة من مرات المحاورة بينه وبينهم إلا قولهم لبعضهم الآخرين المباشرين لتلك الأمور معرضين عن مخاطبة لوط عليه السلام أَخْرِجُوهُمْ أي لوطا وابنتيه زعورا وريثا مِنْ قَرْيَتِكُمْ سذوم إِنَّهُمْ أُناسٌ يَتَطَهَّرُونَ (٨٢) أي يتنزهون عن أدبار الرجال قالوا ذلك على سبيل السخرية بلوط وأهله، وعلى سبيل الافتخار بما هم فيه فَأَنْجَيْناهُ أي لوطا وَأَهْلَهُ وهم بنتاه إِلَّا امْرَأَتَهُ الكافرة واسمها واهلة كانَتْ مِنَ الْغابِرِينَ (٨٣) أي الباقين في ديارهم فهلكت في العذاب مع الهالكين فيها لأنها تسر الكفر موالية لأهل سذوم، وأما لوط فخرج مع بنتيه من أرضهم، وطوى الله له الأرض في وقته حتى نجا ووصل إلى إبراهيم وهو في فلسطين وَأَمْطَرْنا عَلَيْهِمْ مَطَراً أي وأرسلنا عليهم إرسال المطر آجرا محروقا معجونا بالكبريت والنار.
قال مجاهد: نزل جبريل عليه السلام وأدخل جناحه تحت مدائن قوم لوط، فاقتلعها ورفعها إلى السماء ثم قلبها فجعل أعلاها أسفلها، ثم أتبعوا بالحجارة. وقيل: المعنى وأنزلنا على الخارجين من المداين الخمسة حجارة من السماء معلّمة عليها اسم من يرمى بها.
وروي أن تاجرا منهم كان في الحرم فوقف الحجر له أربعين يوما حتى قضى تجارته وخرج من الحرم فوقع عليه فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ (٨٤) أي فانظر يا من يتأتى منه النظر كيف أمطر الله حجارة من طين مطبوخ بالنار متتابع في النزول على من يعمل ذلك العمل المخصوص، وكيف أسقط مدائنها مقلوبة إلى الأرض وَإِلى مَدْيَنَ أَخاهُمْ أي وأرسلنا إلى أولاد مدين بن إبراهيم عليه السلام أخاهم في النسب لا في الدين شُعَيْباً بن ميكيل. وقيل:
شعيب بن ثويب بن مدين بن إبراهيم قالَ لقومه وهم أهل كفر وبخس للمكيال والميزان:
يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ وحده ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ قَدْ جاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ أي معجزة مِنْ رَبِّكُمْ دالة على رسالة الله وعلى صدق ما جئت به ومن معجزات شعيب أنه دفع عصاه إلى موسى، وتلك العصا حاربت التنين وأنه قال لموسى: إن هذه الأغنام تلد أولادا فيها سواد في أوائلها وبياض في أواخرها، وقد وهبتها منك، فكان الأمر كما أخبر عنه، وأنه وقع على يده عصا آدم عليه السلام فإن جميع ذلك كان قبل استنباء موسى عليه السلام.
وقيل: إن المراد بالبينة نفس شعيب عليه السلام فَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزانَ أي أتموا كيل المكيال ووزن الميزان وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْياءَهُمْ أي ولا تنقصوا حقوق الناس بجميع الوجوه كالغصب والسرقة وأخذ الرشوة وقطع الطريق، وانتزاع الأموال بطريق الحيل. وقيل: