للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كانوا مكّاسين لا يدعون شيئا إلا مكسوة كما يفعل أمراء الجور وَلا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بالمعاصي بَعْدَ إِصْلاحِها بعد أن أصلحها الله بتكثير النعم فيها. قال ابن عباس: كانت الأرض قبل أن يبعث الله شعيبا رسولا، تعمل فيها المعاصي وتستحل فيها المحارم وتسفك فيها الدماء فذلك فسادها، فلما بعث الله شعيبا ودعاهم إلى الله صلحت الأرض. وكان كل نبي يبعث إلى قومه فهو صلاحهم، وحاصل هذه التكاليف الخمسة يرجع إلى أصلين:

أحدهما: التعظيم لأمر الله ويدخل فيه الإقرار بالتوحيد والنبوة.

وثانيهما: الشفقة على خلق الله ويدخل فيه ترك البخس وترك الإفساد ذلِكُمْ أي هذه الأمور الخمسة خَيْرٌ لَكُمْ مما أنتم فيه في طلب المال، لأن الناس إذا علموا منكم الوفاء والصدق والأمانة رغبوا في المعاملات معكم فكثرت أموالكم إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (٨٥) أي مصدّقين لي في قولي هذا وَلا تَقْعُدُوا بِكُلِّ صِراطٍ تُوعِدُونَ أي ولا تجلسوا على كل طريق فيه ممر الناس تهددون من مرّ بكم من الغرباء، فكانوا قطّاع طريق وكانوا مكّاسين وَتَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِهِ أي وتصرفون عن دين الله من آمن بالله وَتَبْغُونَها عِوَجاً أي وتطلبون سبيل الله معوجة بإلقاء الشكوك والشبهات فكانوا يجلسون على الطرق ويقولون لمن يريد شعيبا: إنه كذاب ارجع لا يفتنك عن دينك فإن آمنت به قتلناك.

وجملة الأفعال الثلاثة التي هي توعدون، وتصدون، وتبغون أحوال، أي لا تقعدوا موعدين وصادين وباغين وَاذْكُرُوا نعمة الله عليكم إِذْ كُنْتُمْ قَلِيلًا بالعدد.

فَكَثَّرَكُمْ بالعدد قيل: إن مدين بن إبراهيم تزوج بنت لوط فولدت، فرمى الله تعالى في نسلهما بالبركة فكثروا وَانْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ (٨٦) أي كيف صار آخر أمر المشركين قبلكم بالهلاك بتكذيبهم رسلهم وَإِنْ كانَ طائِفَةٌ مِنْكُمْ آمَنُوا بِالَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ من الشرائع والأحكام وَطائِفَةٌ لَمْ يُؤْمِنُوا فَاصْبِرُوا أي فانتظروا أيها المؤمنون والكافرون حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ بَيْنَنا جميعا من مؤمن وكافر بإعلاء درجات المؤمنين وبإظهار هوان الكافرين وَهُوَ خَيْرُ الْحاكِمِينَ (٨٧) أي إنه تعالى حاكم عادل منزّه عن الجور قالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ أي قال الجماعة الذين أنفوا من قبول قوله وبالغوا في العتو: لَنُخْرِجَنَّكَ يا شُعَيْبُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَكَ مِنْ قَرْيَتِنا والظرف متعلق بالإخراج لا بالإيمان. أي والله لنخرجنك وأتباعك من مدين أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنا أي أو لتصيرن إلى ملتنا قالَ أَوَلَوْ كُنَّا كارِهِينَ (٨٨) أي قال شعيب:

أتصيروننا في ملتكم وإن كنا كارهين للدخول فيها قَدِ افْتَرَيْنا عَلَى اللَّهِ كَذِباً عظيما حيث نزعم أن لله تعالى ندا إِنْ عُدْنا أي إن دخلنا فِي مِلَّتِكُمْ بَعْدَ إِذْ نَجَّانَا اللَّهُ مِنْها أي من ملتكم وَما يَكُونُ لَنا أَنْ نَعُودَ فِيها إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ رَبُّنا أي وما يجوز لنا أن ندخل في ملتكم إلا أن يأمر الله بالدخول فيها

<<  <  ج: ص:  >  >>