للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

خلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك فكانت فتنة بني إسرائيل في تلك العشر التي زادها الله تعالى لموسى عليه الصلاة والسلام. وَقالَ مُوسى لِأَخِيهِ هارُونَ

عند ذهابه إلى الجبل للمناداة: اخْلُفْنِي أي كن خليفتي فِي قَوْمِي وراقبهم فيما يأتون وما يذرون وَأَصْلِحْ أمور بني إسرائيل وأمرهم بعبادة الله تعالى وهي صلاحهم وَلا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ (١٤٢) أي ومن دعاك منهم إلى طريق المفسدين بالمعاصي فلا توافقه وَلَمَّا جاءَ مُوسى لِمِيقاتِنا أي لميعادنا في مدن في يوم الخميس يوم عرفة فكلمه الله تعالى فيه من غير واسطة وأعطاه التوراة صبيحة يوم الجمعة يوم النحر وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ أي أزال الحجاب بين موسى وبين كلامه فسمعه من كل جهة.

قالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ أي أرني ذاتك بأن تمكنني من رؤيتك فأراك. قالَ تعالى له: لَنْ تَرانِي أي لن تقدر أن تراني في الدنيا يا موسى وَلكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ في مدين فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكانَهُ فَسَوْفَ تَرانِي أي فإن استقر الجبل مكانه لرؤيتي فلعلك تراني. والرؤية متأخرة عن النظر، لأنه تقليب الحدقة السليمة جهة المرئي التماسا لرؤيته، والرؤية الإدراك بالباصرة بعد النظر فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا أي فلما ظهرت عظمته تعالى لجبل زبير جعله مكسورا. قيل: إن جبل زبير أعظم جبل في مدين فإنه صار ستة أجبل، فوقع ثلاثة منها بالمدينة وهي: أحد، وورقان، ورضوى. وقع ثلاثة بمكة وهي: ثور وثبير وحراء، أي أمر الله تعالى ملائكة السماء السابعة بحمل عرشه، فلما بدا نور العرش انصدع الجبل من عظمة الله تعالى.

وقرأ حمزة الكسائي «دكاء» بالمد أي مستويا بالأرض. وقرأ ابن وثاب «دكا» بضم الدال وبالقصر جمع دكاء أي قطعا وَخَرَّ مُوسى صَعِقاً أي مغشيا عليه من هول ما رآه من النور فَلَمَّا أَفاقَ من غشيته قالَ سُبْحانَكَ أي تنزيها لك عن أن ترى في الدنيا تُبْتُ إِلَيْكَ من الجراءة على السؤال بغير إذن منك وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ (١٤٣) أي المقرين بأنك لا ترى في الدنيا لكل الأنبياء، وقد ثبتت الرؤية لنبينا محمد صلّى الله عليه وسلّم ليلة الإسراء على الصحيح أو يقال: وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ بأنه لا يجوز السؤال منك إلا بإذنك قالَ تعالى له: قالَ يا مُوسى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ أي فضلتك عَلَى النَّاسِ أي بني إسرائيل بِرِسالاتِي أي بكتب التوراة. وقرأ نافع وابن كثير «برسالتي» بالإفراد أي تبليغ رسالتي وَبِكَلامِي أي وبتكلمي معك بغير واسطة فَخُذْ ما آتَيْتُكَ أي فاعمل ما أعطيتك من الرسالة أي الوحي وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ (١٤٤) أي واشتغل بشكر الفوز بهذه النعمة وهو القيام بلوازمها علما وعملا، ولا يضق قلبك بسبب منعك الرؤية وَكَتَبْنا لَهُ فِي الْأَلْواحِ أي وكتبنا لموسى في ألواح التوراة مِنْ كُلِّ شَيْءٍ يحتاج إليه موسى وقومه في دينهم من الحلال والحرام والمحاسن والقبائح مَوْعِظَةً وَتَفْصِيلًا لِكُلِّ شَيْءٍ بدل من قوله تعالى «من كل شيء» باعتبار محله وهو النصب. أي كتبنا له كل شيء من المواعظ التي توجب الرغبة في الطاعة والنفرة عن المعصية، ومن شرح أقسام الأحكام فَخُذْها أي فقلنا

<<  <  ج: ص:  >  >>