اعمل بهذه الأشياء بِقُوَّةٍ أي بجد ونية صادقة وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِها أي التوراة. أي يعملوا بمحكمها ويؤمنوا بمتشابهها وقال بعضهم: الحسن يدخل تحته الواجب والمندوب والمباح، وأحسن هذه الثلاثة الواجبات والمندوبات سَأُرِيكُمْ دارَ الْفاسِقِينَ (١٤٥) أي سأدخلكم الشام بطريق الإيراث، وأريكم منازل الكافرين الذين كانوا متوطنين فيها من الجبابرة والعمالقة لتعتبروا بها فلا تفسقوا مثل فسقهم. وقرئ «سأورثكم» بالثاء المثلثة سَأَصْرِفُ عَنْ آياتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أي سأزيل الذين يتكبرون في الأرض بالدين الباطل عن إبطال آياتي بإهلاكهم على يد موسى، وإن اجتهدوا كما اجتهد فرعون في إبطال ما رآه من الآيات فلا يقدرون على منع موسى من تبليغها ولا على منع المؤمنين من الإيمان بها، أي وإنما يرى بنو إسرائيل دار الفاسقين بعد هلاكهم وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لا يُؤْمِنُوا بِها أي وأن يشاهدوا كل معجزة كفروا بكل واحدة منها وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ أي الدين الحق والخير لا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا أي لا يسلكوا سبيله.
وروي عن ابن عامر بضمتين، وقال أبو عمرو بن العلاء:«الرشد» بضم وسكون: الصلاح في النظر. وبفتحتين: الاستقامة في الدين وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الغَيِّ أي الضلال يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا أي يختارونه مسلكا لأنفسهم ذلِكَ أي تكبرهم وعدم إيمانهم بشتى من الآيات وإعراضهم عن سبيل الرشد وإقبالهم التام إلى سبيل الغي بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآياتِنا أي حاصل بسبب أنهم كذبوا بكتابنا الدال على بطلان اتصافهم بالقبائح وَكانُوا عَنْها غافِلِينَ (١٤٦) أي وكانوا جاحدين بها وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا أي بكتابنا وَلِقاءِ الْآخِرَةِ أي وبلقائهم الآخرة التي هي موعد الجزاء حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ أي حسناتهم التي لا تتوقف على نية، كصلة الأرحام وإغاثة الملهوفين وإن نفعتهم في تخفيف العذاب، لكن التخفيف لا يقال له: ثواب. هَلْ يُجْزَوْنَ إِلَّا ما كانُوا يَعْمَلُونَ (١٤٧) أي ما يجزون في الآخرة إلا على ما كانوا يعملون في الدنيا من الكفر والمعاصي وَاتَّخَذَ قَوْمُ مُوسى مِنْ بَعْدِهِ مِنْ حُلِيِّهِمْ عِجْلًا أي صاغ موسى السامري المنافق وهو من بني إسرائيل من بعد انطلاق سيدنا موسى عليه السلام إلى الجبل عجلا من ذهب جَسَداً أتى بهذا البدل لدفع توهم أنه صورة عجل منقوشة على حائط مثلا لَهُ خُوارٌ أي صوت.
وقرأ علي رضي الله عنه «جؤار» بالجيم والهمزة أي صياح. قيل: إن بني إسرائيل كان لهم، عيد يتزينون فيه ويستعيرون من القبط الحلي، فلما أغرق الله القبط بقيت تلك الحلي في أيدي بني إسرائيل وصارت ملكا لهم، فجمع السامري تلك الحلي. وكان رجلا مطاطا فيهم صائغا، فصاغ السامري عجلا وأخذ كفا من تراب حافر فرس جبريل عليه السلام فألقاه في جوف ذلك العجل،