موسى: رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِنْ قَبْلُ أي من قبل خروجهم إلى الميقات وَإِيَّايَ معهم.
قاله تسليما لقضاء الله تعالى. أي إنا كنا مستحقين للإهلاك ولم يكن من موانعه إلا عدم مشيئتك إياه أَتُهْلِكُنا بِما فَعَلَ السُّفَهاءُ مِنَّا أي ظن موسى إنما أهلكهم الله بعبادة قومهم العجل وقال هذا على طريق السؤال، وقال المبرد: «هو استفهام استعطاف، أي لا تهلكنا بسبب فعل عباد العجل إِنْ هِيَ إِلَّا فِتْنَتُكَ أي ما الفتنة التي وقع فيها السفهاء إلا محنتك بأن أوجدت في العجل خوارا فزاغوا به وأسمعتهم كلامك فافتتنوا بذلك حتى طمعوا فيما فوق ذلك تُضِلُّ بِها أي بتلك الفتنة مَنْ تَشاءُ إضلالة فلا يهتدي إلى التثبت وَتَهْدِي مَنْ تَشاءُ هدايته إلى الحق فلا يتزلزل في أمثالها فيقوى بها إيمانه أَنْتَ وَلِيُّنا أي أنت القائم بأمورنا الدنيوية والأخروية فَاغْفِرْ لَنا ما قارفناه من المعاصي وَارْحَمْنا بإفاضة آثار الرحمة الدنيوية والأخروية علينا وَأَنْتَ خَيْرُ الْغافِرِينَ (١٥٥) لأنك تغفر ذنوب عبادك لا لغرض بل لمحض الفضل والكرم أما غيرك فإنما يتجاوز عن الذنب إما طلبا للثواب الجزيل أو للثناء الجميل أو دفعا للربقة الخسيسة عن القلب وَاكْتُبْ لَنا أي أثبت لنا فِي هذِهِ الدُّنْيا حَسَنَةً أي نعمة وطاعة وَفِي الْآخِرَةِ أي واكتب لنا في الآخرة حسنة وهي الجنة إِنَّا هُدْنا إِلَيْكَ أي رجعنا عمّا صنعنا من المعصية التي جئناك للاعتذار عنها قالَ تعالى: عَذابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشاءُ وليس لأحد على اعتراض لأن الكل ملكي.
وقرأ الحسن «من أساء» فعل ماض من الإساءة. واختار الشافعي هذه القراءة وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ أي إن رحمته في الدنيا عمّت الكل، وأما في الآخرة فرحمته مختصة بالمؤمنين كما أشار تعالى إليه بقوله تعالى: فَسَأَكْتُبُها أي فسأثبتها في الآخرة لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ أي الكفر والمعاصي وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ أي يعطون زكاة أموالهم وَالَّذِينَ هُمْ بِآياتِنا أي دلائل وحدانيتنا وقدرتنا يُؤْمِنُونَ (١٥٦) الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ أي الذي لم يمارس القراءة والكتابة ومع ذلك قد جمع علوم الأولين والآخرين الَّذِي يَجِدُونَهُ يلقون اسمه ونعته مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْراةِ وَالْإِنْجِيلِ اللذين تعبّد بهما بنو إسرائيل يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ أي بالتوحيد وبمكارم الأخلاق وبر الوالدين، وصلة الأرحام. وَيَنْهاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ أي عبادة الأوثان والقول في صفات الله بغير علم، والكفر بما أنزل الله على النبيين وقطع الرحم وعقوق الوالدين وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّباتِ أي الأشياء المستطابة بحسب الطبع، فكل ما تستطيبه النفس ويستلذه الطبع فهو حلال إلا لدليل منفصل وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبائِثَ أي كل ما يستخبثه الطبع وتستقذره النفس. فكل ما يستخبثه الطبع حرام إلا لدليل منفصل وعلى هذا فرع الشافعي تحريم بيع الكلب لأنه
روي عن ابن عباس عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أنه قال: «الكلب خبيث وخبيث ثمنه وإذا ثبت أن ثمنه، خبيث ثبت أن يكون حراما، والخمر محرّمة لأنها رجس والرجس خبيث بإطباق أهل اللغة عليه