للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والخبيث حرام»

«١» . وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلالَ الَّتِي كانَتْ عَلَيْهِمْ أي يخفف عنهم ثقلهم، والشدائد التي كانت في عباداتهم: كقطع أثر البول من الجلد والثوب، وإحراق الغنائم وتحريم السبي، وقتل النفس في التوبة، وتعيين القصاص في العمد والخطأ، وقطع الأعضاء الخاطئة.

وعن عطاء: كانت بنو إسرائيل إذا قاموا إلى الصلاة لبسوا المسوح، وغلوا أيديهم إلى أعناقهم تواضعا لله تعالى. فعلى هذا القول الأغلال غير مستعارة، أي وكانت هذه الأثقال في شريعة موسى عليه السلام فلما جاء محمد صلّى الله عليه وسلّم نسخ ذلك كله، ويدل عليه

قوله صلّى الله عليه وسلّم: «بعثت بالحنيفية السهلة السمحة»

«٢» . وقرأ ابن عامر وحده آصارهم على الجمع فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ أي بنبوة محمد صلّى الله عليه وسلّم من اليهود كعبد الله بن سلام وأصحابه وَعَزَّرُوهُ أي أعانوه بمنع أعدائه منه وَنَصَرُوهُ أي على أعدائه في الدين بالسيف وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أي واتبعوا القرآن الذي أنزل مع نبوة محمد صلّى الله عليه وسلّم فإن نبوته ظهرت مع ظهور القرآن وعبر عنه بالنور الدال على كونه مظهرا للحقائق أُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (١٥٧) أي الفائزون بالمطلوب في الدنيا والآخرة والناجون من السخط والعذاب لا غيرهم من الأمم قُلْ يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ الذي لا إِلهَ إِلَّا هُوَ يُحيِي وَيُمِيتُ.

واعلم أن هذه الدعوى- وهي دعوى رسول الله- لا تظهر فائدتها إلا بتقرير أصول ثلاثة:

أولها: إثبات أن للعالم إلها حيا عالما قادرا، والذي يدل عليه ما في قوله تعالى: الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ [البروج: ٩] لأنه بتقدير عدم حصول مؤثر للعالم في وجوده، أو بتقدير كون المؤثر موجبا بالذات لا فاعلا بالاختيار لم يصح القول ببعثة الأنبياء عليهم السلام.

وثانيها: إثبات أن إله العالم واحد منزه عن الشريك والضد والند وإليه الإشارة بقوله تعالى لا إِلهَ إِلَّا هُوَ، لأنه إذا لم يثبت كون الإله تعالى واحدا لم يكن إرسال الرسل، وإنزال الكتب جائزا لأنه بتقدير كون إلهين للعالم يجوز أن يكون الإنسان الذي يدعوه رسول أحدهما مخلوقا للإله الثاني، فإيجاب الطاعة للإله الذي لم يخلقه ظلم وباطل.

وثالثها: إثبات أنه تعالى قادرا على الحشر والنشر والبعث والقيامة وإليه الإشارة بقوله تعالى: يُحيِي وَيُمِيتُ لأنه تعالى لما أحيا أولا ثبت كونه تعالى قادرا على

الإحياء ثانيا، ويكون


(١) رواه مسلم في كتاب المساقاة، باب: ٤١، وأبو داود في كتاب البيوع، باب: في كسب الحجام، والترمذي في كتاب البيوع، باب: ٤٦، والدارمي في كتاب البيوع، باب: في النهي عن كسب الحجام، وأحمد في (م ١/ ص ٢٧٨) .
(٢) رواه أحمد في (م ٥/ ص ٢٦٦) .

<<  <  ج: ص:  >  >>