سألك أحد من المشركين الذين أمرت بقتالهم أن تؤمنه بعد انقضاء مدة السياحة فأمنه حتى يسمع قراءتك لكلام الله ويطلع على حقيقة ما تدعو إليه.
ونقل عن ابن عباس أنه قال: إن رجلا من المشركين قال لعلي بن أبي طالب: إن أردنا أن نأتي الرسول بعد انقضاء هذا الأجل لسماع كلام الله أو لحاجة أخرى فهل نقتل؟ فقال علي: لا، فإن الله تعالى قال: وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ أي ثم أوصله إلى ديار قومه التي يأمنون فيها على أنفسهم وأموالهم، ثم بعد ذلك يجوز قتالهم وقتلهم ذلِكَ أي إعطاء الأمان بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْلَمُونَ (٦) أي بسبب أنهم قوم لا يفقهون ما الإيمان وما حقيقة ما تدعوهم إليه، فلا بد من إعطاء الأمان حتى يفهموا الحق ولا يبقى معهم معذرة أصلا كَيْفَ يَكُونُ لِلْمُشْرِكِينَ عَهْدٌ عِنْدَ اللَّهِ وَعِنْدَ رَسُولِهِ أي لا ينبغي أن يبقى للمشركين عهد عند الله وعند رسوله وهم ينقضون العهد. إِلَّا الَّذِينَ عاهَدْتُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ أي لكن الذين عاهدتم من المشركين عند قرب أرض الحرم يوم الحديبية وهم المستثنون من قبل هذا الاستثناء فقد استثنوا في قوله تعالى سابقا: إِلَّا الَّذِينَ عاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنْقُصُوكُمْ شَيْئاً إلخ- وهم بنو كنانة وبنو ضمرة- فتربصوا أمرهم ولا تقتلوهم فَمَا اسْتَقامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ أي فأيّ زمان استقاموا لكم على العهد فاستقيموا لهم على مثله. أو المعنى فاستقيموا لهم مدة استقامتهم لكم إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ (٧) عن نقض العهد وقد استقام صلّى الله عليه وسلّم على عهدهم حتى نقضوه بإعانتهم بني بكر وهم كنانة حلفاؤهم على خزاعة حلفائه صلّى الله عليه وسلّم.
روي أنه عدت بنو بكر على بني خزاعة في حال غيبة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وعاونتهم قريش بالسلاح حتى وفد عمرو بن سالم الخزاعي على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فأنشده:
لا همّ إني ناشد محمدا ... حلف أبينا وأبيك ألا تلدا
إن قريشا أخلفوك الموعدا ... ونقضوا ذمامك المؤكدا
هم بيتونا بالحطيم هجدا ... وقتلونا ركعا وسجدا
فقال صلّى الله عليه وسلّم:«لا نصرت إن لم أنصركم»
كَيْفَ وَإِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ أي وحالهم أنهم إن يقدروا عليكم لا يَرْقُبُوا فِيكُمْ أي لا يحفظوا فيكم إِلًّا أي قرابة وَلا ذِمَّةً أي عهدا.
والمعنى كيف لا تقتلوهم وهم إن يغلبوكم لا يحفظوا في شأنكم قرابة ولا ضمانا بل يؤذوكم ما استطاعوا يُرْضُونَكُمْ بِأَفْواهِهِمْ وَتَأْبى قُلُوبُهُمْ أي تنكر قلوبهم ما يفيد كلامهم، أي فإنهم يقولون بألسنتهم كلاما حلوا طيبا والذي في قلوبهم بخلاف ذلك فإنهم لا يضمرون إلا الشر والإيذاء إن قدروا عليه وَأَكْثَرُهُمْ فاسِقُونَ (٨) أي ناقضون للعهد مذمومون عند جميع الناس وفي جميع