للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

العلم فإنهم ينتقلون من بلد إلى بلد الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ أي المصلون الصلوات الخمس الْآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ أي بالإيمان والطاعة وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ أي عن الشرك والمعاصي وَالْحافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ أي لتكاليف الله المتعلقة بالعبادات وبالمعاملات وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ (١١٢) الموصوفين بهذه الصفات بالجنة ما كانَ لِلنَّبِيِّ أي ما جاز لمحمد صلّى الله عليه وسلّم وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كانُوا أُولِي قُرْبى أي ذوي قرابات لهم مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحابُ الْجَحِيمِ (١١٣) أي أهل النار بأن ماتوا على الكفر وسبب نزول هذه الآية استغفار ناس لآبائهم الذين ماتوا على الكفر.

روي عن علي رضي الله عنه أنه قال: سمعت رجلا يستغفر لأبويه وهما مشركان فقلت:

أتستغفر لأبويك وهما مشركان؟ قال: أليس قد استغفر إبراهيم لأبيه! فذكرت ذلك لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم فنزل:

ما كانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا الآية، فروى ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كان المسلمون يستغفرون لآبائهم المشركين حتى نزلت هذه الآية فلما نزلت أمسكوا عن الاستغفار لأمواتهم ولم ينهوا أن يستغفروا للأحياء حتى يموتوا ثم أنزل الله وَما كانَ اسْتِغْفارُ إِبْراهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَها إِيَّاهُ أي إلا لأجل موعدة وعدها إبراهيم إياه بقوله: لأستغفرن لك، أي لأطلبن مغفرة لك بالتوفيق للإيمان فإنه يمحو ما قبله فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ أي إنه مستمر على الكفر ومات عليه تَبَرَّأَ مِنْهُ أي ترك الاستغفار له أي إن إبراهيم استغفر لأبيه ما كان حيا فلما مات أمسك عن الاستغفار له.

وروى ابن أبي حاتم عن محمد بن كعب القرظي قال: لما مرض أبو طالب أتاه النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقال المسلمون: هذا محمد يستغفر لعمه وقد استغفر إبراهيم لأبيه فاستغفروا لقراباتهم من المشركين، فأنزل الله تعالى: ما كانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا الآية. ثم أنزل وما كان استغفار إبراهيم الآية.

وروى ابن جرير عن عمرو بن دينار أن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «استغفر إبراهيم لأبيه وهو مشرك فلا أزال أستغفر لأبي طالب حتى ينهاني عنه ربّي» «١» ، فقال أصحابه: لنستغفرن لآبائنا كما استغفر النبي لعمه، فأنزل الله

ما كانَ لِلنَّبِيِّ الآية إلى قوله تعالى تَبَرَّأَ مِنْهُ فظهر بهذه الأخبار أن الآية نزلت في استغفار المسلمين لأقاربهم المشركين لا في حق أبي طالب، لأن هذه السورة كلها مدنية نزلت بعد تبوك، وبينها وبين موت أبي طالب نحو اثني عشر سنة، وأيضا إن عم إبراهيم آزر كان يتخذ أصناما آلهة ولم ينقل عن أبي طالب أنه اتخذ أصناما آلهة وعبد حجرا أو نهى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم عن


(١) رواه الترمذي في كتاب التفسير، باب: تفسير سورة ٩، وأحمد في (م ١/ ص ١٣١) .

<<  <  ج: ص:  >  >>