له فيه يُحْيِي وَيُمِيتُ وَما لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ أي متولى الأمور. وَلا نَصِيرٍ (١١٦) أي لما أمر الله بالبراءة من الكفار بين أن له ملك السموات والأرض فإذا كان هو ناصرا لكم فهم لا يقدرون على إضراركم أي إنكم صرتم محرومين عن معاونتهم فالإله الذي هو المالك للسموات والأرض والمحيي والمميت ناصركم فلا يضركم أن ينقطعوا عنكم، والواجب عليكم أن تنقادوا لحكم الله وتكليفه لكونه إلهكم ولكونكم عبيدا له لَقَدْ تابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهاجِرِينَ وَالْأَنْصارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي ساعَةِ الْعُسْرَةِ أي في الزمان الذي صعب الأمر عليهم جدا في السفر إلى تبوك وكانت لهم عسرة من الزاد وعسرة من الظهر، وعسرة من الحر، وعسرة من الماء فربما مصّ التمرة الواحدة جماعة يتناوبونها حتى لا يبقى من التمرة إلا النواة وكان معهم شيء من شعير مسوس فكان أحدهم إذا وضع اللقمة في فيه أخذ أنفه من نتن اللقمة وكان العشرة من المسلمين يخرجون على بعير يعتقبونه بينهم وكانوا قد خرجوا في قيظ شديد وأصابهم فيه عطش شديد حتى إن الرجل لينحر بعيره فيعصر فرثه ويشربه أي لقد عفى الله عن النبي في إذنه للمنافقين في التخلف عنه في غزوة تبوك وهو شيء صدر عنه من باب ترك الأفضل لا أنه ذنب يوجب عقابا. وعفى الله عن المهاجرين والأنصار من الوساوس التي كانت تقع في قلوبهم في ساعة العسرة كما قال تعالى: مِنْ بَعْدِ ما كادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ أي من بعد ما قرب أن تميل قلوب بعضهم إلى أن يفارق النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم في ذلك الغزو لحر شديد ولم ترد الميل عن الدين وربما وقع في قلوب بعضهم أنا لا نقدر على قتال الروم وكيف لنا بالخلاص منها ثُمَّ تابَ عَلَيْهِمْ أي عفى الله عنهم ما وقع في قلوبهم من هذه الخواطر والوساوس النفسانية لما صبروا وندموا على ذلك الهم إِنَّهُ بِهِمْ رَؤُفٌ رَحِيمٌ (١١٧) فلا يحملوهم ما لا يطيقون من العبادة ويوصل إليهم المنافع وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا أي وتاب الله على الثلاثة الذين أخروا في قبول التوبة عن الطائفة الأولى ابن لبابة وأصحابه وهؤلاء الثلاثة كعب بن مالك الشاعر، وهلال بن أمية الذي نزلت فيه آية اللعان ومرارة بن الربيع حَتَّى إِذا ضاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِما رَحُبَتْ أي أخر أمرهم إلى أن ضاقت الأرض عليهم مع سعتها بسبب مجانبة الأحباء، ونظر الناس لهم بعين الإهانة لأن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم كان معرضا عنهم، ومنع المؤمنين من مكالمتهم وأمرهم باعتزال أزواجهم وبقوا على هذه الحالة خمسين يوما وَضاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ أي ضاقت قلوبهم إذا رجعوا إلى أنفسهم لا يطمئنون بشيء بسبب تأخير أمرهم عن قبول التوبة وَظَنُّوا أَنْ لا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ أي علموا أنه لا ملجأ لأحد من سخطه تعالى إلا إليه بالتضرع ثُمَّ تابَ عَلَيْهِمْ أي ثم وفقهم للتوبة الصحيحة المقبولة لِيَتُوبُوا أي ليحصلوا التوبة إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (١١٨)
ولما نزلت هذه الآية خرج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلى حجرته وهو عند أم سلمة فقال:«الله أكبر» قد أنزل الله عذر أصحابنا، فلما صلى الفجر ذكر ذلك لأصحابه وبشّرهم بأن الله تاب عليهم فانطلقوا إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وتلا