للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يقال: إن الله تعالى أنطق عيسى لها حين وضعته تطييبا لقلبها، وإزالة للوحشة عنها، حتى تشاهد في أول الأمر ما بشّرها به جبريل من علوّ شأن ذلك الولد.

كما

قال الحسن بن علي رضي الله عنهما: إن عيسى عليه السلام لو لم يكن كلّمها لما علمت أنه ينطق، فما كانت تشير إلى عيسى بالكلام

. وحمل فاعل «نادى» على عيسى أقرب وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ أي حرّكي أصل النخلة تحريكا عنيفا إلى جهتك، تُساقِطْ عَلَيْكِ أي تسقط النخلة عليك إسقاطا متواترا بحسب تواتر الهز، رُطَباً جَنِيًّا (٢٥) أي طريا استحق أن يجنى.

وقرأ حمزة بفتح التاء والسين مخففة، وفتح القاف. وقرأ حفص بضم التاء، وكسر القاف.

والباقون بفتح التاء، وتشديد السين، وفتح القاف، فَكُلِي وَاشْرَبِي أي فكلي من الرطب، واشربي من النهر، أو كلي من الرطب، واشربي من عصيره. وَقَرِّي عَيْناً أي طيبي نفسا بولدك عيسى، فالعين إذا رأت ما يسّر النفس سكنت إليه من النظر إلى غيره، وأن دمعة السرور باردة، ودمعة الحزن حارة، ولذلك يقال: للمحبوب قرة العين، وللمكروه سخنة العين. فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَداً فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمنِ صَوْماً فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا (٢٦) ، أن فإن تري يا مريم أحدا من الآدميين فيسألك عن ولدك، فقولي له إن استنطقك: إني نذرت للرحمن صمتا فلن أكلم اليوم آدميا، بعد أن أخبرتك بنذري وإنما أكلم الملائكة، وأناجي ربي. وإنما منعت مريم من الكلام ليكون عيسى المتكلم عنها، فيكون أقوى لحجتها في إزالة التهمة عنها، ولكراهة مجادلة السفهاء. فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَها تَحْمِلُهُ أي فجاءتهم مع ولدها عيسى حاملة له وهو ابن أربعين يوما.

روي عن ابن عباس أن يوسف انتهى بمريم إلى غار فأدخلها فيه أربعين يوما حتى طهرت من النفاس، ثم حملته إلى قومها، فكلّمها عيسى في الطريق، فقال: يا أماه أبشري فإني عبد الله ومسيحه.

فلما دخلت على أهلها ومعها الصبي بكوا وحزنوا وكانوا أهل بيت صالحين. قالُوا مؤنبين لها:

يا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئاً فَرِيًّا (٢٧) ، أي لقد فعلت شيئا منكرا عظيما، يا أُخْتَ هارُونَ، أي يا شبيهة هارون في العبادة وكان هارون هذا رجلا صالحا من أفضل الناس من بني إسرائيل، ينسب إليه كل من عرف بالصلاح وهذا لمّا مات تبع جنازته أربعون ألفا كلهم يسمّون هارون تبركا به وباسمه. والمراد أنك يا مريم كنت في الزهد كهارون، فكيف صرت هكذا! ما كانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ، أي ما كان أبوك عمران رجلا زانيا، وَما كانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا (٢٨) ، أي وما كانت أمك حنة امرأة فاجرة فَأَشارَتْ، مريم إِلَيْهِ، أي إلى عيسى أن كلموه، قالُوا منكرين لجوابها: كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كانَ فِي الْمَهْدِ، أي في الحجر أو في السرير صَبِيًّا (٢٩) أي صغيرا ابن أربعين يوما.

روي أن عيسى كان يرضع، فلما سمع ذلك ترك الرضاع، وأقبل عليهم بوجهه، واتكأ على يساره، وأشار بسبابة يمينه، فتكلم عيسى قالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ، وإنما نص عيسى على إثبات عبودية نفسه، لأن إزالة التهمة عن الله تعالى، تفيد إزالة التهمة عن الأم، لأن الله تعالى لا يخص

<<  <  ج: ص:  >  >>