للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أحدهما: في بيان أن دلائل الإيمان في غاية الظهور.

والثاني: في بيان أن أديان الكفرة في غاية الظلمة. أما المثل الأول فقوله تعالى: اللَّهُ نُورُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ.

قال ابن عباس: أي الله هادي أهل السموات والأرض، فهم بنوره يهتدون وبهداه من حيرة الضلالة ينجون، فمعنى النور هو الهداية، أي ذو نور، أي ذو هداية مَثَلُ نُورِهِ أي صفة النور الفائض من الله تعالى على الأشياء المستنيرة به وهو القرآن كَمِشْكاةٍ أي كصفة كوة غير نافذة في الجدار في الإضاءة والتنوير، فِيها مِصْباحٌ أي سراج ضخم ثاقب. الْمِصْباحُ فِي زُجاجَةٍ أي قنديل من الزجاج الصافي الأزهر. الزُّجاجَةُ كَأَنَّها كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ أي متلألئ وقّاد، شبيه بالدر في صفائه وزهرته. يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ.

وقرأ ابن كثير وأبو عمرو بفتح التاء والواو وبتشديد القاف على صيغة الماضي. وقرأ أبو بكر وحمزة والكسائي بضم التاء الفوقية، وسكون الواو على المضارع المبني للمفعول. وعن نافع وحفص بياء كذلك. وعن عاصم بياء مضمومة وفتح الواو، وتشديد القاف و «زيتونة» بدل من «شجرة» ، و «لا شرقية» صفة لها، أي يبتدئ إيقاد المصابيح، وفتيلة الزجاج من زيت شجرة كثيرة المنافع، تبرز على جبل عال، أو صحراء واسعة فتطلع الشمس عليها حالتي الطلوع والغروب، أي تقع الشمس عليها طول النهار، لا شرقية وحدها، ولا غربية وحدها ولكنها شرقية وغربية. وكان زيتها الصفاء. وهذا قول ابن عباس، وسعيد بن جبير، وقتادة، واختيار الفراء والزجاج.

وقال ابن عباس: في الزيتون منافع يسرج بزيته وهو إدام ودهان، ودباغ، ووقود يوقد بحطبه وثفله وليس فيه شيء إلا وفيه منفعة حتى الرماد يغسل به الإبريسم، وهو أول شجرة نبتت في الدنيا، وأول شجرة ثبتت بعد الطوفان، ونبتت في منازل الأنبياء والأرض المقدسة، ودعا له سبعون نبيا بالبركة منهم إبراهيم ومنهم محمد صلّى الله عليه وسلّم

فإنه قال مرتين: «اللهم بارك في الزيت والزيتون»

«١» .

يَكادُ زَيْتُها يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نارٌ وهذه الجملة صفة ل «شجرة» أي يقرب زيت تلك الشجرة يضيء بنفسه من غير مساس نار أصلا لصفائه.

قال ابن عباس: هذا مثل نور الله وهداه في قلب المؤمن، كما يكاد الزيت الصافي يضيء قبل أن تمسه النار، فإن الزيت إذا كان خالصا رؤي من بعيد كأن له شعاعا فإذا مسته النار إزداد ضوءا على ضوئه، كذلك قلب المؤمن يكاد يعمل بالهدى قبل أن يأتيه العلم، فإذا جاء العلم ازداد


(١) رواه ابن ماجة في كتاب المساجد، باب: ما يكره في المساجد.

<<  <  ج: ص:  >  >>