للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

نورا على نور، وهدى على هدى كقلب إبراهيم عليه السلام من قبل أن تجيئه المعرفة، أي قبل أن يخبره أحد بأن له ربا، فإنه قال: هذا ربي، فلما أخبره الله بأنه ربه وقال له: أسلم زاد هدى وقال:

أسلمت لرب العالمين. نُورٌ عَلى نُورٍ أي نور حاصل بالزيت، كائن مع نور بالنار في قنديل، فالزيت نور، والقنديل نور والمصباح نور فالمشكاة التي هي الطاقة غير النافذة أجمع للنور فيكون فيها أقوى مما لو كانت نافذة، فإن المصباح إذا كان في مكان متضايق كان أضوأ وأجمع لنوره بخلاف المكان المتسع، فإن الضوء ينتشر فيه، فالقنديل أعون على زيادة الإنارة، وكذلك ضوء الزيت. والمعنى: ذلك القرآن نور عظيم كائن على نور عظيم متضاعف من غير تحديد كتضاعف نور المشكاة بما ذكر يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشاءُ أي يهدي الله لنوره المتضاعف، وهو القرآن من يشاء هدايته من عباده هداية موصلة إلى المطلوب، بأن يوفقهم لفهم ما فيه من دلائل حقيقته من الأخبار عن الغيب، وغير ذلك من موجبات الإيمان. فالله تعالى بين الدلائل حتى بلغت في الوضوح إلى الحد الذي لا يمكن الزيادة عليه. فوضوح الدلائل لا ينفع ما لم يخلق الله الإيمان والعلم. وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثالَ لِلنَّاسِ كافة تقريبا للمعقول من المحسوس. وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (٣٥) معقولا كان أو محسوسا ظاهرا كان أو خفيا. فِي بُيُوتٍ صفة ل «مشكاة» ، أي كمشكاة فيها مصباح في بيت من بيوت الله، أو صفة لزجاجة. والمعنى: ذلك القنديل معلق في مساجد أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ أي أمر الله أن نبنى رفيعة وتطهر عن الأنجاس والأقذار، وقد كره بعض العلماء تعليم الصبيان في المساجد ورأى أنه من باب البيع، وهذا إذا كان بأجرة، فلو كان بغير أجرة لمنع أيضا من وجه آخر وهو أن الصبيان لا يتحرزون عن الأقذار والأوساخ فيؤدي ذلك إلى عدم تنظيف المساجد، وقد أمر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بتنظيفها وتطييبها

فقال: «جنبوا مساجدكم صبيانكم ومجانينكم، وجمروها في الجمع، واجعلوا لها على أبوابها المطاهر»

«١» . وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ بجميع أذكاره تعالى.

وقال ابن عباس: يتلى في المساجد كتابه تعالى يُسَبِّحُ لَهُ فِيها بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ (٣٦) رِجالٌ.

وقرأ ابن عامر وشعبة عن عاصم بالبناء للمفعول ونائب الفاعل لفظ له، و «رجال» فاعل لفعل مقدر، أو خبر مبتدأ محذوف أي يسبح له رجال أو المسبح رجال، والوقف على الآصال حسن. والباقون بالبناء للفاعل و «رجال» فاعل ولا يوقف على «الآصال» لعدم تمام الكلام والصلاة التي تؤدي في الغداة صلاة الصبح، وفي العشي صلاة الظهر والعصر والمغرب والعشاء.

وقرئ و «الإيصال» أي الدخول في الأصيل لا تُلْهِيهِمْ تِجارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقامِ الصَّلاةِ أي لا يشغلهم نوع من أنواع التجارة ولا فرد من أفراد البياعات عن حضور المساجد لطاعة الله،


(١) رواه الطبراني في المعجم الكبير (٨: ٢١٤) .

<<  <  ج: ص:  >  >>