للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ عَلَى الْعَبْدِ دَيْنٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ؛ لِأَنَّ لَهُ حَقًّا فِي مَالِهِ كَيْفَمَا كَانَ، وَالْمُرَادُ بِالْأَجِيرِ فِي الْحَدِيثِ التِّلْمِيذُ الْخَاصُّ الَّذِي يَعُدُّ ضَرَرَ أُسْتَاذِهِ ضَرَرَ نَفْسِهِ وَنَفْعَهُ نَفْعَ نَفْسِهِ وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا شَهَادَةَ لِلْقَانِعِ بِأَهْلِ الْبَيْتِ» وَأَصْلُ الْقُنُوعِ السُّؤَالُ، وَالْمُرَادُ مَنْ يَكُونُ تَبَعًا لِلْقَوْمِ كَالْخَادِمِ، وَالْأَجِيرِ، وَالتَّابِعِ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ السَّائِلِ يَطْلُبُ مَعَاشَهُ مِنْهُمْ وَهُوَ مِنْ الْقُنُوعِ لَا مِنْ الْقَنَاعَةِ وَقِيلَ الْمُرَادُ بِهِ الْأَجِيرُ مُشَاهَرَةً؛ لِأَنَّهُ أَجِيرٌ خَاصٌّ فَيَسْتَوْجِبُ الْأَجْرَ عَلَى مَنَافِعِهِ، فَإِذَا شَهِدَ لَهُ فِي مُدَّةِ الْإِجَارَةِ يَكُونُ كَأَنَّهُ شَهِدَ لَهُ بِأَجْرٍ وَمَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يُخَالِفُنَا فِي قَرَابَةِ الْوِلَادِ هُوَ يَعْتَبِرُهَا بِالشَّهَادَةِ عَلَيْهِمْ

وَالشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يُخَالِفُنَا فِي الزَّوْجَيْنِ فَيَقُولُ لَا قَرَابَةَ بَيْنَهُمَا، وَالزَّوْجِيَّةُ قَدْ تَكُونُ سَبَبًا لِلتَّنَافُرِ، وَالْعَدَاوَةِ وَقَدْ تَكُونُ سَبَبًا لِلْمَيْلِ، وَالْإِيثَارِ فَصَارَتْ نَظِيرَ الْأُخُوَّةِ وَلِهَذَا يَجْرِي الْقِصَاصُ بَيْنَهُمَا، وَالْحَبْسُ بِالدَّيْنِ وَلَا مُعْتَبَرَ بِالْمَنْفَعَةِ الثَّابِتَةِ ضِمْنًا كَمَا فِي الْغَرِيمِ إذَا شَهِدَ لِمَدْيُونِهِ الْمُفْلِسِ وَلَنَا مَا رَوَيْنَا مِنْ الْحَدِيثِ وَمَا بَيَّنَّا مِنْ الْمَعْنَى وَهُوَ أَنَّ الْمَنَافِعَ بَيْنَهُمَا مُتَّصِلَةٌ وَلِهَذَا يُعَدُّ أَحَدُهُمَا غَنِيًّا بِغِنَى صَاحِبِهِ، وَقِيلَ: هُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَوَجَدَكَ عَائِلا فَأَغْنَى} [الضحى: ٨] أَيْ بِمَالِ خَدِيجَةَ، فَإِذَا كَانَ هَذَا فِي الزَّوْجَيْنِ فَفِي الْوِلَادِ أَوْلَى وَرُوِيَ أَنَّ الْحَسَنَ بْنَ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - شَهِدَ لِعَلِيٍّ مَعَ قَنْبَرٍ عِنْدَ شُرَيْحٍ بِدِرْعٍ لَهُ فَقَالَ شُرَيْحٌ لِعَلِيٍّ ائْتِ بِشَاهِدٍ آخَرَ فَقَالَ مَكَانَ الْحَسَنِ أَوْ مَكَانَ قَنْبَرٍ فَقَالَ لَا بَلْ مَكَانَ الْحَسَنِ فَقَالَ أَمَا سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «يَقُولُ لِلْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ هُمَا سَيِّدَا شَبَابِ أَهْلِ الْجَنَّةِ» قَالَ سَمِعْت لَكِنْ ائْتِ بِشَاهِدٍ آخَرَ الْقِصَّةَ إلَى آخِرِهَا وَفِيهَا أَنَّهُ اسْتَحْسَنَهُ وَزَادَهُ فِي الرَّزْقَةِ وَمِثْلُ هَذَا لَا يَقْدَحُ فِي الْعَدَالَةِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا لَا يَجُوزُ لِكَوْنِهِ شَهَادَةً لِنَفْسِهِ مِنْ وَجْهٍ، وَشَهَادَةُ الْمَرْءِ لِنَفْسِهِ غَيْرُ مَقْبُولَةٍ

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالشَّرِيكِ لِشَرِيكِهِ فِيمَا هُوَ مِنْ شَرِكَتِهِمَا)؛ لِأَنَّهُ شَهَادَةٌ لِنَفْسِهِ مِنْ وَجْهٍ لِاشْتِرَاكِهِمَا فِيهِ، وَهَذَا لِأَنَّهُ يَصِيرُ شَاهِدًا لِنَفْسِهِ فِي الْبَعْضِ وَشَهَادَةُ الْمَرْءِ لِنَفْسِهِ غَيْرُ مَقْبُولَةٍ، فَإِذَا بَطَلَ فِي نَصِيبِهِ بَطَلَ فِي نَصِيبِ شَرِيكِهِ أَيْضًا؛ لِأَنَّهَا شَهَادَةٌ وَاحِدَةٌ فَلَا تَتَجَزَّأُ، وَلَوْ شَهِدَ لَهُ بِمَا لَيْسَ مِنْ شَرِكَتِهِمَا تُقْبَلُ لِانْتِفَاءِ التُّهْمَةِ قَالَ فِي النِّهَايَةِ هَذَا فِي حَقِّ الشَّرِيكَيْنِ شَرِكَةَ عِنَانٍ ظَاهِرٌ، وَأَمَّا شَهَادَةُ أَحَدِ الْمُتَفَاوِضَيْنِ لِصَاحِبِهِ فَلَا تُقْبَلُ إلَّا فِي الْحُدُودِ، وَالْقِصَاصِ، وَالنِّكَاحِ؛ لِأَنَّ مَا عَدَاهَا مُشْتَرِكٌ بَيْنَهُمَا وَهَذَا سَهْوٌ، فَإِنَّهُ لَا يَدْخُلُ فِي الشَّرِكَةِ إلَّا الدَّرَاهِمُ، وَالدَّنَانِيرُ وَلَا يَدْخُلُ فِيهِ الْعَقَارُ وَلَا الْعُرُوض وَلِهَذَا قَالُوا لَوْ وُهِبَ لِأَحَدِهِمَا مَالٌ غَيْرُ الدَّرَاهِمِ، وَالدَّنَانِيرِ لَا تَبْطُلُ الشَّرِكَةُ؛ لِأَنَّ الْمُسَاوَاةَ فِيهِ لَيْسَتْ بِشَرْطٍ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْمُخَنَّثِ) أَيْ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ وَهُوَ الَّذِي فِي كَلَامِهِ لِينٌ وَتَكَسُّرٌ وَمُرَادُهُ إذَا كَانَ يَتَعَمَّدُ ذَلِكَ تَشَبُّهًا بِالنِّسَاءِ وَفِي عُرْفِ النَّاسِ هُوَ الَّذِي يُبَاشِرُ الرَّدِيءَ مِنْ الْأَفْعَالِ وَيُلَيِّنُ كَلَامَهُ عَمْدًا كُلُّ ذَلِكَ مَعْصِيَةٌ فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَعَنَ اللَّهُ الْمُؤَنِّثِينَ مِنْ الرِّجَالِ، وَالْمُذَكِّرَاتِ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

يَسْتَحِقُّ الْأَجْرَ بِمُضِيِّ الزَّمَانِ وَإِذَا كَانَ يَسْتَوْجِبُ الْأَجْرَ لِزَمَانِ أَدَاءِ الشَّهَادَةِ كَانَ مُتَّهَمًا فِيمَا شَهِدَ أَمَّا الْأَجِيرُ الْمُشْتَرَكُ فَلَا يَسْتَوْجِبُ الْأَجْرَ إلَّا بِالْعَمَلِ الَّذِي عُقِدَتْ عَلَيْهِ الْإِجَارَةُ، فَإِذَا لَمْ يَسْتَوْجِبْ بِشَهَادَةٍ أَجْرًا انْتَفَتْ التُّهْمَةُ عَنْ شَهَادَتِهِ وَلِهَذَا جَازَتْ شَهَادَةُ الْقَابِلَةِ عَلَى الْوِلَادَةِ عِنْدَ شَرْطِهَا وَهُوَ الْعَدَالَةُ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَقِيلَ الْمُرَادُ بِهِ الْأَجِيرُ مُشَاهَرَةً؛ لِأَنَّهُ أَجِيرٌ خَاصٌّ) قَالَ فِي خُلَاصَةِ الْفَتَاوَى وَلَا تَجُوزُ شَهَادَةُ الْأَجِيرِ لِأُسْتَاذِهِ أَرَادَ بِهِ التِّلْمِيذَ الْخَاصَّ وَالتِّلْمِيذُ الْخَاصُّ الَّذِي يَأْكُلُ مَعَهُ وَفِي عِيَالِهِ وَلَيْسَ لَهُ أُجْرَةٌ مَعْلُومَةٌ أَمَّا الْأَجِيرُ الْمُشْتَرَكُ إذَا شَهِدَ لِلْمُسْتَأْجِرِ تُقْبَلُ، وَأَمَّا الْأَجِيرُ الْوَاحِدُ وَهُوَ الَّذِي اسْتَأْجَرَهُ مُيَاوَمَةً أَوْ مُشَاهَرَةً أَوْ مُسَانَهَةً بِأُجْرَةٍ مَعْلُومَةٍ لَا تُقْبَلُ إلَى هُنَا لَفْظُ الْخُلَاصَةِ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ مَنَافِعَ الْأَجِيرِ الْوَاحِدِ مُسْتَحَقَّةٌ لِلْمُسْتَأْجِرِ وَلِهَذَا لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُؤَاجِرَ نَفْسَهُ مِنْ آخَرَ فِي تِلْكَ الْمُدَّةِ فَلَوْ جَازَتْ شَهَادَتُهُ لِلْمُسْتَأْجِرِ كَانَتْ شَهَادَةً بِالْأَجْرِ فَلَا تَجُوزُ؛ وَذَلِكَ لِأَنَّ شَهَادَتَهُ مِنْ جُمْلَةِ مَنَافِعِهِ وَهِيَ مُسْتَحَقَّةٌ بِالْأَجْرِ، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ فِي الْمَتْنِ: فَيَصِيرُ كَالْمُسْتَأْجِرِ عَلَيْهَا أَيْ عَلَى الشَّهَادَةِ وَقَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ فِي كِتَابِ الْعُيُونِ قَالَ مُحَمَّدٌ فِي رَجُلٍ اسْتَأْجَرَ يَوْمًا وَاحِدًا لَمْ يَكْتُبْ الْمُحَشِّي.

(قَوْلُهُ وَمَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يُخَالِفُنَا) قَالَ الْكَاكِيُّ مَا وَجَدْته فِي الْكُتُبِ الْمَشْهُورَةِ لِأَصْحَابِ مَالِكٍ اهـ وَقَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى وَالثَّوْرِيُّ وَالنَّخَعِيُّ لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الزَّوْجَةِ لِزَوْجِهَا؛ لِأَنَّ لَهَا حَقًّا فِي مَالِهِ لِوُجُوبِ نَفَقَتِهَا فِيهِ وَتُقْبَلُ شَهَادَةُ الزَّوْجِ لَهَا لِعَدَمِ التُّهْمَةِ اهـ قَالَهُ الْكَاكِيُّ اهـ وَبِقَوْلِنَا قَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ اهـ

(قَوْلُهُ: وَلَا مُعْتَبَرَ بِالْمَنْفَعَةِ الثَّانِيَةِ ضِمْنًا كَمَا فِي الْغَرِيمِ إذَا شَهِدَ لِمَدْيُونِهِ الْمُفْلِسِ) قَالَ فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ وَيَجُوزُ شَهَادَةُ رَبِّ الدَّيْنِ لِمَدْيُونِهِ بِمَا هُوَ مِنْ جِنْسِ دَيْنِهِ كَذَا ذَكَرَهُ فِي الْوَكَالَةِ وَالْجَامِعِ وَلَوْ شَهِدَ لِمَدْيُونِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ بِمَالٍ لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ لَا يَتَعَلَّقُ بِمَالِ الْمَدْيُونِ فِي حَيَاتِهِ وَيَتَعَلَّقُ بَعْدَ وَفَاتِهِ. اهـ. (قَوْلُهُ قَنْبَرٌ) قَنْبَرٌ عَتِيقٌ لِعَلِيٍّ كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ وَهُوَ بِفَتْحِ الْقَافِ وَالْبَاءِ وَأَمَّا جَدُّ سِيبَوَيْهِ فَبِضَمِّ الْقَافِ وَفَتْحِ الْبَاءِ فَسِيبَوَيْهِ هُوَ عَمُّ عَمْرِو بْنِ عُثْمَانَ بْنِ قَنْبَرٍ. اهـ. (قَوْلُهُ: قَالَ أَمَا سَمِعْت) أَيْ قَالَ عَلِيٌّ اهـ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ وَكَانَ مِنْ رَأْيِ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَبُولُ شَهَادَةِ الْوَلَدِ لِوَالِدِهِ. اهـ. (قَوْلُهُ الرَّزْقَةِ) قَالَ الصَّاغَانِيُّ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ وَالرَّزْقَةُ بِالْفَتْحِ الْمَرَّةُ الْوَاحِدَةُ وَالْجَمْعُ الرَّزَقَاتُ وَهِيَ أَطْمَاعُ الْجُنْدِ وَارْتَزَقَ الْجُنْدُ أَيْ أَخَذُوا أَرْزَاقَهُمْ اهـ قَوْلُهُ وَهِيَ أَطْمَاعُ الْجُنْدِ قَالَ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ فِي بَابِ الْعَيْنِ وَالطَّمَعُ رِزْقُ الْجُنْدِ وَيُقَالُ أَمَرَ لَهُمْ الْأَمِيرُ بِأَطْمَاعِهِمْ أَيْ بِأَرْزَاقِهِمْ. اهـ.

(قَوْلُهُ: وَأَمَّا شَهَادَةُ أَحَدِ الْمُتَفَاوِضَيْنِ لِصَاحِبِهِ فَلَا تُقْبَلُ إلَّا فِي الْحُدُودِ إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ قَالَ فِي الشَّامِلِ فِي قِسْمِ الْمَبْسُوطِ وَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الشَّرِيكِ الْمُفَاوِضِ، وَإِنْ كَانَ عَدْلًا فِيمَا خَلَا الْحُدُودَ وَالْقِصَاصَ، وَغَيْرُ الْمُفَاوِضِ أَيْضًا فِي تِجَارَتِهِ اهـ وَهُوَ مُوَافِقٌ لِمَا نَقَلَهُ الشَّارِحُ عَنْ النِّهَايَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَلَا يَدْخُلُ فِيهِ الْعَقَارُ وَلَا الْعُرُوض) قُلْت: قَدْ قَالَ فِيهَا هُوَ مُشْتَرَكٌ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ بَيْنَهُمَا عُرُوضٌ وَعَقَارٌ اُشْتُرِيَا مِنْ مَالِ الشَّرِكَةِ اهـ كَذَا نَقَلْته مِنْ خَطِّ قَارِئِ الْهِدَايَةِ اهـ

<<  <  ج: ص:  >  >>