مِنْ النِّسَاءِ»، وَأَمَّا إذَا كَانَ فِي كَلَامِهِ لِينٌ وَفِي أَعْضَائِهِ تَكَسُّرٌ خِلْقَةً وَلَمْ يُشْتَهَرْ بِشَيْءٍ مِنْ الْأَفْعَالِ الرَّدِيَّةِ فَهُوَ عَدْلٌ مَقْبُولُ الشَّهَادَةِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالنَّائِحَةِ، وَالْمُغَنِّيَةِ)؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «نَهَى عَنْ الصَّوْتَيْنِ الْأَحْمَقَيْنِ الْمُغَنِّيَةِ، وَالنَّائِحَةِ» أَطْلَقَهُ فِي حَقِّ الْمَرْأَةِ وَلَمْ يُقَيِّدْهُ بِكَوْنِهَا تُغَنِّي لِلنَّاسِ وَقَيَّدَهُ بِهِ فِي حَقِّ الرَّجُلِ؛ لِأَنَّ نَفْسَ رَفْعِ الصَّوْتِ حَرَامٌ فِي حَقِّهَا بِخِلَافِ الرَّجُلِ عَلَى مَا نُبَيِّنُ قَالُوا الْمُرَادُ بِالنَّائِحَةِ هِيَ الَّتِي تَنُوحُ فِي مُصِيبَةِ غَيْرِهَا؛ لِأَنَّهَا تَرْتَكِبُ الْمَحْظُورَاتِ لِأَجْلِ الطَّمَعِ فِي الْمَالِ وَتَجْعَلُهُ مَكْسَبَةً أَمَّا الَّتِي تَنُوحُ فِي مُصِيبَتِهَا فَلَا تَسْقُطُ عَدَالَتُهَا
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (، وَالْعَدُوِّ إنْ كَانَتْ عَدَاوَتُهُ دُنْيَوِيَّةً)؛ لِأَنَّ الْمُعَادَاةَ لِأَجْلِ الدُّنْيَا حَرَامٌ فَمَنْ ارْتَكَبَهَا لَا يُؤْمَنُ مِنْ التَّقَوُّلِ عَلَيْهِ أَمَّا إذَا كَانَتْ الْعَدَاوَةُ دِينِيَّةً فَتُقْبَلُ شَهَادَتُهُ؛ لِأَنَّهَا مِنْ التَّدَيُّنِ فَتَدُلُّ عَلَى قُوَّةِ دِينِهِ وَعَدَالَتِهِ وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْمُعَادَاةَ قَدْ تَكُونُ وَاجِبَةً بِأَنْ رَأَى فِيهِ مُنْكَرًا شَرْعًا وَلَمْ يَنْتَهِ بِنَهْيِهِ وَاَلَّذِي يُوَضِّحُ لَك هَذَا الْمَعْنَى أَنَّ الْمُسْلِمِينَ مُجْمِعُونَ عَلَى قَبُولِ شَهَادَةِ الْمُسْلِمِ عَلَى الْكَافِرِ، وَالْعَدَاوَةُ الدِّينِيَّةُ قَائِمَةٌ بَيْنَهُمَا فَلَوْ كَانَتْ مَانِعَةً لَمَا قُبِلَتْ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَمُدْمِنُ الشُّرْبِ عَلَى اللَّهْوِ) أَيْ مُدَاوِمٌ شُرْبَ الْخَمْرِ لِأَجْلِ اللَّهْوِ؛ لِأَنَّ شُرْبَهَا كَبِيرَةٌ وَفِي الْكَافِي قَالَ إنَّمَا شُرِطَ الْإِدْمَانُ لِيَكُونَ ذَلِكَ ظَاهِرًا مِنْهُ، فَإِنَّ مَنْ شَرِبَ الْخَمْرَ سِرًّا وَلَا يَظْهَرُ ذَلِكَ مِنْهُ لَا يَخْرُجُ مِنْ أَنْ يَكُونَ عَدْلًا، وَإِنْ شَرِبَهَا كَثِيرًا، وَإِنَّمَا تَسْقُطُ عَدَالَتُهُ إذَا كَانَ يَظْهَرُ ذَلِكَ مِنْهُ أَوْ يَخْرُجُ سَكْرَانَ فَيَلْعَبُ بِهِ الصِّبْيَانُ، فَإِنَّهُ لَا مُرُوءَةَ لِمِثْلِهِ وَلَا يَحْتَرِزُ عَنْ الْكَذِبِ عَادَةً وَقَالَ فِي النِّهَايَةِ إطْلَاقُ الشُّرْبِ عَلَى اللَّهْوِ فِي حَقِّ الْمَشْرُوبِ لِيَتَنَاوَلَ جَمِيعَ الْأَشْرِبَةِ الْمُحَرَّمَةِ مِنْ الْخَمْرِ، وَالسُّكْرِ وَغَيْرِهِمَا، فَإِنَّ الْإِدْمَانَ شُرِطَ فِي الْخَمْرِ أَيْضًا فِي حَقِّ سُقُوطِ الْعَدَالَةِ.
وَذَكَرَ فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ مُدْمِنِ الْخَمْرِ وَلَا مُدْمِنِ السُّكْرِ؛ لِأَنَّهُ كَبِيرَةٌ ثُمَّ ذَكَرَ مِثْلَ مَا ذُكِرَ فِي الْكَافِي وَذَكَرَ فِي النِّهَايَةِ مَعْزِيًّا إلَى الذَّخِيرَةِ لَا تَجُوزُ شَهَادَةُ مُدْمِنِ الْخَمْرِ ثُمَّ قَالَ شُرِطَ الْإِدْمَانُ وَلَمْ يُرِدْ بِهِ الْإِدْمَانَ فِي الشُّرْبِ، وَإِنَّمَا أَرَادَ بِهِ الْإِدْمَانَ فِي النِّيَّةِ يَعْنِي يَشْرَبُ وَمِنْ نِيَّتِهِ أَنْ يَشْرَبَ بَعْدَ ذَلِكَ إذَا وَجَدَهُ وَلَا تَجُوزُ شَهَادَةُ مُدْمِنِ السُّكْرِ وَأَرَادَ بِهِ السُّكْرَ بِسَائِرِ الْأَشْرِبَةِ سِوَى الْخَمْرِ؛ لِأَنَّ الْمُحَرَّمَ فِي سَائِرِ الْأَشْرِبَةِ السُّكْرُ فَشُرِطَ الْإِدْمَانُ عَلَى السُّكْرِ، وَالْمُحَرَّمُ فِي الْخَمْرِ نَفْسُ الشُّرْبِ فَشُرِطَ الْإِدْمَانُ عَلَى الشُّرْبِ وَكَذَلِكَ مَنْ يَجْلِسُ مَجَالِسَ الْفُجُورِ، وَالشُّرْبِ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ، وَإِنْ لَمْ يَشْرَبْ؛ لِأَنَّهُ تَشَبُّهٌ بِهِمْ وَلَمْ يَحْتَرِزْ أَنْ يَظْهَرَ عَلَيْهِ مَا يَظْهَرُ عَلَيْهِمْ فَلَا يَحْتَرِزُ عَنْ شَهَادَةِ الزُّورِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَمَنْ يَلْعَبُ بِالطُّنْبُورِ)؛ لِأَنَّهُ مِنْ اللَّهْوِ وَيُقَالُ بِالطُّيُورِ وَهُوَ أَيْضًا مِثْلُهُ وَيُورِثُ الْغَفْلَةَ أَيْضًا وَقَدْ قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَا أَنَا مِنْ دَدٍ وَلَا الدَّدُ مِنِّي» وَلِأَنَّ الْغَالِبَ فِيهِ أَنْ يَصْعَدَ إلَى السُّطُوحِ لِيُطَيِّرَ طَيْرَهُ فَيَنْظُرَ إلَى
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
قَوْلُهُ: فِي الْمَتْنِ وَالنَّائِحَةِ) لَيْسَ بِثَابِتٍ فِي خَطِّ الشَّارِحِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَهُوَ ثَابِتٌ فِي نُسَخِ الْمَتْنِ. اهـ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «نَهَى عَنْ الصَّوْتَيْنِ الْأَحْمَقَيْنِ الْمُغَنِّيَةِ وَالنَّائِحَةِ») وَصَفَ الصَّوْتَ بِصِفَةِ صَاحِبِهِ.
اعْلَمْ أَنَّ التَّغَنِّيَ لِلَّهْوِ أَوْ لِجَمْعِ الْمَالِ حَرَامٌ بِلَا خِلَافٍ وَالنَّوْحُ كَذَلِكَ خُصُوصًا إذَا كَانَ مِنْ الْمَرْأَةِ؛ لِأَنَّ رَفْعَ الصَّوْتِ مِنْهَا حَرَامٌ بِلَا خِلَافٍ، وَفِي الذَّخِيرَةِ وَلَمْ يُرِدْ بِالنَّائِحَةِ الَّتِي تَنُوحُ فِي مُصِيبَتِهَا، وَإِنَّمَا أَرَادَ الَّتِي تَنُوحُ فِي مُصِيبَةِ غَيْرِهَا اتَّخَذَتْ ذَلِكَ مَكْسَبَةً. اهـ.
(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَالْعَدُوِّ إنْ كَانَتْ عَدَاوَتُهُ دُنْيَوِيَّةً) قَالَ فِي خِزَانَةِ الْمُفْتِينَ وَلَا شَهَادَةُ الْعَدُوِّ إنْ كَانَتْ الْعَدَاوَةُ بِسَبَبِ الدُّنْيَا وَتُقْبَلُ إنْ كَانَتْ بِسَبَبِ الدِّينِ (إلَخْ) وَالْعَدُوُّ مَنْ يَفْرَحُ بِحُزْنِهِ وَيَحْزَنُ بِفَرَحِهِ وَقِيلَ: يُعْرَفُ بِالْعُرْفِ اهـ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ فِي الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ وَيَشْهَدُ لِعَدُوِّهِ وَلَا يَشْهَدُ عَلَيْهِ وَيَحْكُمُ لِعَدُوِّهِ وَيَحْكُمُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ أَسْبَابَ الْحُكْمِ ظَاهِرَةٌ وَأَسْبَابَ الشَّهَادَةِ خَافِيَةٌ فَانْتَفَتْ التُّهْمَةُ عَنْهُ فِي الْحُكْمِ وَتَوَجَّهَتْ عَلَيْهِ فِي الشَّهَادَةِ اهـ.
(فَرْعٌ) وَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْمُجَازِفِ فِي كَلَامِهِ وَحُكِيَ أَنَّ الْفَضْلَ بْنَ رَبِيعٍ وَزِيرَ الْخَلِيفَةِ شَهِدَ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ فَرَدَّ شَهَادَتَهُ فَشَكَاهُ إلَى الْخَلِيفَةِ فَقَالَ الْخَلِيفَةُ إنَّ وَزِيرِي رَجُلُ دِينٍ لَا يَشْهَدُ بِالزُّورِ فَلِمَ رَدَدْت شَهَادَتَهُ قَالَ؛ لِأَنِّي سَمِعْته يَوْمًا قَالَ لِلْخَلِيفَةِ أَنَا عَبْدُك، فَإِنْ كَانَ صَادِقًا فَلَا شَهَادَةَ لِلْعَبْدِ، وَإِنْ كَانَ كَاذِبًا فَكَذَلِكَ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يُبَالِ فِي مَجْلِسِك بِالْكَذِبِ فَلَا يُبَالِي فِي مَجْلِسِي أَيْضًا فَعَذَرَهُ الْخَلِيفَةُ اهـ كَاكِيٌّ سَتَأْتِي هَذِهِ الْحِكَايَةُ فِي كَلَامِ الشَّارِحِ عِنْدَ قَوْلِهِ وَالْعُمَّالِ (قَوْلُهُ: فِي الْمَتْنِ وَمُدْمِنِ الشُّرْبِ عَلَى اللَّهْوِ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَنَقَلَ النَّاصِحِيُّ فِي تَهْذِيبِ أَدَبِ الْقَاضِي عَنْ الْخَصَّافِ فَقَالَ: وَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ قُطَّاعِ الطَّرِيقِ وَاللُّصُوصِ وَأَصْحَابِ الْفُجُورِ بِالنِّسَاءِ وَمَنْ يَعْمَلُ عَمَلَ قَوْمِ لُوطٍ وَمَنْ يَشْرَبُ الْخَمْرَ وَمَنْ يَسْكَرُ مِنْ النَّبِيذِ؛ لِأَنَّ هَؤُلَاءِ فُسَّاقٌ وَلَمْ يَشْتَرِطْ الْخَصَّافُ فِي شُرْبِ الْخَمْرِ الْإِدْمَانَ كَمَا تَرَى وَوَجْهُهُ أَنَّ نَفْسَ شُرْبِ الْخَمْرِ يُوجِبُ الْحَدَّ فَيُوجِبُ رَدَّ الشَّهَادَةِ وَشَرَطَ شَهَادَاتِ الْإِدْمَانِ فَقَالَ وَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ مُدْمِنِ الْخَمْرِ وَمُدْمِنِ السُّكْرِ وَفَائِدَتُهُ أَنَّهُ إذَا شَرِبَ فِي السِّرِّ لَا تَسْقُطُ عَدَالَتُهُ قَالَ صَاحِبُ الْأَجْنَاسِ وَهَذَا شَرْطٌ صَحِيحٌ؛ لِأَنَّهُ مَتَى دَامَ عَلَيْهِ فَهُوَ مُقِيمٌ عَلَى مَعْصِيَةٍ، وَإِنْ لَمْ يَدُمْ عَلَيْهِ فَهُوَ تَائِبٌ نَادِمٌ اهـ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو نَصْرٍ الْأَقْطَعُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَأَمَّا مَنْ أَدْمَنَ الشُّرْبَ عَلَى غَيْرِ لَهْوٍ وَلَمْ يَسْكَرْ وَهُوَ لَا يَعْتَقِدُ تَحْلِيلَهُ فَشَهَادَتُهُ مَقْبُولَةٌ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ مَا يُوجِبُ الْفِسْقَ وَلَا بِتَرْكِ الْمُرُوءَةِ اهـ.
وَكَتَبَ أَيْضًا مَا نَصُّهُ قَالَ الْخَبَّازِيُّ فِي حَوَاشِي الْهِدَايَةِ، وَإِنَّمَا أَرَادَ بِهِ غَيْرَ شَارِبِ الْخَمْرِ؛ لِأَنَّ شَارِبَ الْخَمْرِ مَرْدُودُ الشَّهَادَةِ عَلَى كُلِّ حَالٍ فَلَا حَاجَةَ إلَى إبْطَالِ شَهَادَتِهِ إلَى شُرْبِهَا عَلَى اللَّهْوِ. اهـ. (قَوْلُهُ: لِيَتَنَاوَلَ) الَّذِي بِخَطِّ الشَّارِحِ لِسِيَاقِ جَمِيعِ الْأَشْرِبَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَكَذَلِكَ مَنْ يَجْلِسُ مَجَالِسَ الْفُجُورِ إلَخْ) وَقَالَ النَّاصِحِيُّ أَيْضًا وَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ مَنْ يَجْلِسُ مَجَالِسَ الْفُجُورِ وَالْمَجَانَةِ عَلَى الشُّرْبِ، وَإِنْ لَمْ يَسْكَرْ؛ لِأَنَّ اخْتِلَاطَهُ بِهِمْ وَتَرْكَهُ الْأَمْرَ بِالْمَعْرُوفِ يُوجِبُ سُقُوطَ عَدَالَتِهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ نَفْسُ الْجُلُوسِ فِسْقًا فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَقَدْ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَا أَنَا مِنْ دَدٍ وَلَا الدَّدُ مِنِّي») الدَّدُ اللَّهْوُ وَاللَّعِبُ